أسرار القرآن

اعلم رحمك الله أن للقرآن أسرار لا تظهر إلا بطولِ المصاحبة، {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}.

نحن في هذا الزمان أحوج ما نكون لهذا القرآن وما فيه من الشفاء والحكمة والموعظة الحسنة، وما فيه من الترغيب والترهيب والقصص. قلوبنا ظمأى ومعتمة؛ لتغيب الآيات عنها. متى آخر مرة عرضت آيِّ القرآن على قلبك، متى آخر مرة انفردت مع آية تكررها وتتدبرها وتستخلص معانيها؟

الله عز وجل قال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.

فأقبلوا عليه وتزودوا منه وازدادوا به إيماناً؛ فهذا أحق ما توهب له الأعمار. أشعلوا قلوبكم به وتوهجوا بحقائقه الإيمانية الملتهبة. لا تهرعوا إلى الكتب والمحاضرات والكلمات تلتمسوا منها زاداً وكتاب الله بين أيديكم، واعلموا أن من تغيره آية ليس كمن تغيره كلمة من غير القرآن.

“كان الفضيل بن عياض شاطراً -أي؛ لصًّا-، يقطع الطرق، وكانت له عشيقة من الجواري. في يوم كان يتسلق لها الجدار فسمع تالياً يتلوا: {۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}؛ فلما سمعها قال: بلى يا رب قد آن، بلى يا رب قد آن”. فكانت هذه الآية سبب لتوبته وبداية لفتح علاقة جديدة مع القرآن امتدت معه حتى مات رحمه الله.

لنصلح قلوبنا لسنا بحاجة لمحاضرات وكتب؛ إنما نحن بحاجة لأن نعرض قلوبنا على الآيات، بحاجة لمجالس استهداء، نحن بحاجة لإصلاح العلاقة مع القرآن.

لماذا لا تبدأ من الآن عهداً جديداً مع القرآن ترى فيه المباني وتعيش المعاني؟ ولكن لا بد لك من تخير أوقات التلاوة، وأجلها وقت اجتماع القلب.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: “وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده” رواه مسلم.

حريٌ بنا أن نحيي مجالس النور من جديد، مجالس الاستهداء بالقرآن، فننهل من فيض نورها وترتوي بها قلوبنا، ونعيش مع الآيات كأننا بها. سلموا أنفسكم للقرآن؛ ليغيرها.

اجعل في خلقك آية، دع أثر القرآن يظهر عليك، حتى يبصر الناس شعاعه ببصيرتك، لا ببصيرة أنفسهم، “واعلم أن من أكثر من ذكر شيء، وإن كان تكلفاً؛ أحبه”. وقال بشر بن السري في البرهان في علوم القرآن: (إنما الآية مثل الثمرة كلما مضغتها استخرجت حلاوتها).

أسباب عدم تأثرنا بالقرآن

من أسباب عدم تأثرنا بالقرآن عدم تلقيه على منهاج النبوة، وقد ثبت عن جندب بن عبد الله أنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً) رواه ابن ماجه.

وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: (لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرٍ وَأَحَدُنَا يَرَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ نُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا، كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، وَلَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقلِ) رواه الحاكم والبيهقي واللفظ له.

ما هو ذلك الإيمان الذي يجب أن يثبت في النفوس؟

  1. أن تتعرف على الله وتعرف من هو خالقك، وذلك من خلال نقطتين: القرآن؛ لذلك إذا قرأت القرآن؛ اقرأ قراءة من يتعرف على خالقه، ركز على هذا الهدف. والتفكر في عظمة الله عن طريق نفسك وعن طريق مخلوقاته، {وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}.
  2. الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه القدوة وأنه خاتم الأنبياء، وأن هديه أتم الهدي، وهذا بطبيعة الحال يقودنا للمحبة والمحبة تقود للاتباع.
  3. العبودية لله سبحانه وتعالى وهذه تأتي بعد العلم بالله، والعلم بالله يورث خشية ومحبة ويقين.
  4. الإيمان باليوم الآخر والجنة والنار، ولقاء الله، والبعث، والحساب، والجزاء.

-أحمد السيد

فهذا هو الإيمان الذي كانوا يتعلمونه قبل القرآن، ثم ينزل القرآن على قلوبهم غضاً طرياً يؤثر في قلوبهم ويحيها، ثم يتلقون القرآن فينزل عليهم وقلوبهم وجِلة.

من يريد الوصل فعليه ألا يلتفت هنا وهناك، أقبل على القرآن ولا تضيع وقتك على غير معاني القرآن، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وندمتُ على تضييع أوقاتي في غيرِ معاني القرآن). من أراد الإنتفاع بالقرآن فليجمع قلبه عند تلاوته وسماعه، ويلقِ سمعه له.

ومن أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله، وتدبره بقلبه، وجد فيه من الفهم والحلاوة والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره.

-الإمام ابن تيمية رحمه الله

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة