معرض الكتاب

إن من المشاهد التي قد تستوقف المرء في بعض الفعاليات الثقافية المُنتشرة في عالمنا العربي، وخاصة “معرض الكتاب” التي من المفترض أن تكون منارات للعلم والمعرفة والأدب، يثير في النفس تساؤلات عميقة حول منظومة القيم الأسرية والمجتمعية التي لطالما شكلت هويتنا.

عندما نرى اختلاطًا غير منضبط قد يتجاوز حدود الأدب والحشمة التي نشأنا عليها، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو التساؤل عن دور الأسرة العربية، هذه النواة الأساسية في بناء مجتمعاتنا. أين الآباء الذين غرسوا بذور الفضيلة في نفوس أبنائهم؟ أين الأزواج الذين عاهدوا على صيانة أعراض زوجاتهم؟ أين الإخوة الذين يحملون في قلوبهم غيرة على أخواتهم؟ إن هذا التساؤل ليس مجرد استنكار عابر لمشهد عابر؛ بل هو صرخة استغاثة لقيم أصيلة بدأت تتوارى خلف ضباب مفاهيم قد لا تتوافق بالضرورة مع خصوصيتنا الثقافية.

إن مسؤولية الحفاظ على القيم والأخلاق في مجتمعاتنا العربية لا تقع فقط على عاتق الأولياء؛ بل هي مسؤولية مجتمعية شاملة تتشارك فيها الأجيال والمؤسسات. أين دور المؤسسات التعليمية والثقافية في تعزيز هذه القيم في نفوس الأجيال الناشئة في عالمنا العربي؟ هل تقوم مناهجنا وفعالياتنا بغرس مفهوم الحياء والعفة وأهمية الوقار في الفضاءات العامة؟ ألا يجب على القائمين على تنظيم مثل هذه المعارض والفعاليات الثقافية أن يضعوا في اعتبارهم البعد الاجتماعي والأخلاقي لهذه التجمعات، وأن يسعوا لتنظيمها بما يحفظ الحدود ويراعي الضوابط الشرعية والمجتمعية التي لطالما ميزت مجتمعاتنا العربية وهويتنا الحضارية؟

إن مفهوم الرجولة في ثقافتنا العربية يتجاوز بكثير مجرد إظهار القوة أو السلطة الظاهرة. إنه يتجلى في القدرة على القيادة الحكيمة للأسرة، وتوفير الحماية والرعاية، والأهم من ذلك، الغيرة الصادقة على محارم الله وعلى قيم المجتمع العربي الأصيلة.

وبالمثل، فإن حرية المرأة العربية وكرامتها لا تنفصل عن التزامها بالحشمة والوقار؛ بل هي مسؤولية مضاعفة في الحفاظ على كرامتها وكرامة أسرتها ومجتمعها. إن المرأة الحرة بحق هي التي تختار طريق العفة والفضيلة عن قناعة وإيمان، وتكون بذلك قدوة حسنة لأخواتها وبنات جيلها في كل أرجاء الوطن العربي.

عندما نتحدث عن معارض الكتب في عالمنا العربي؛ فإننا نتوقع أن نجد فيها بيئة محفزة للعقل والروح، ومصدرًا للارتقاء الفكري والأخلاقي الذي ينهض بأمتنا. ولكن؛ عندما تتحول هذه الأماكن، التي يفترض أنها تحتفي بالكلمة المقروءة، إلى ساحات للاختلاط غير المنضبط الذي قد يشغل عن الهدف الأساسي وهو طلب العلم والمعرفة؛ فإننا نتساءل بصدق عن جدوى هذه الفعاليات في صورتها الحالية. هل الهدف هو حقًا نشر العلم والمعرفة التي تنير العقول وتهذِّب النفوس، أم أنه قد يتحول في بعض الأحيان إلى مجرد تجمع اجتماعي قد يحمل في طياته ما يخالف قيمنا العربية والإسلامية الأصيلة؟

إن القراءة فعل نبيل؛ ولكن نوعية المقروء وأثره على الفرد والمجتمع العربي أمر يستحق منا جميعًا وقفة تفكر عميقة ومسؤولة. هل نحن حريصون على توجيه شبابنا نحو قراءة الكتب التي تبني شخصياتهم وتعزز هويتهم العربية والإسلامية وقيمهم الأصيلة؟

إن ما نراه من مظاهر قد لا يرتضيها الكثيرون منا في عالمنا العربي ليس دعوة لليأس أو الاستسلام أمام التحديات الثقافية؛ بل هو حافز للتفكير الجاد والعمل الدؤوب نحو الإصلاح المنشود. كيف يمكن لنا أن نعيد إحياء قيمنا الإسلامية والعربية الأصيلة في واقعنا المعاصر الذي يشهد تحولات متسارعة؟ كيف يمكننا أن نستخدم الأدوات المتاحة، بما في ذلك هذه المعارض الثقافية نفسها، لنشر الوعي وتعزيز الأخلاق الفاضلة التي نفتخر بها؟

إن المسؤولية تقع على عاتق كل فرد في مجتمعاتنا العربية، من الآباء والأمهات إلى العلماء والمثقفين والمسؤولين وصناع القرار، للعمل معًا بروح هذا الدين نحو بناء مجتمعات قوية ومتماسكة تحافظ على قيمها وتحمي أجيالها القادمة من كل ما يهدد هويتها وخصوصيتها.

هذا، ونسأل الله الهداية والتوفيق والسداد في أقوالنا وأفعالنا لما فيه خير أمتنا العربية والإسلامية جمعاء.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة