بين مِطرقة الحَياة وضغُوطاتها، وسندان “السوشيال ميديا” وما تُهيله علينا من أحقاد ومُقارنات سقيمة وجدالات عقيمة، يكمُن القلب مُحاولًا الاحتفاظ بما تبقّى من سلامته الجسديّة والنفسيّة.
القلب بين الصحة الجسدية والنفسية
أتعلم أن هناك علاقة وثيقة بين صحة القلب الجسديّة وسلامته النّفسيّة؟ فالقلب ليس مُجرّد عضلة تضُخ الدّم، بل هو أيضاً مركزٌ للمشاعر وسريع التأثّر بالحالة النفسية للإنسان، وهنا نُدير دفّة الحديث عن أمراض القلب من زاوية الشريعة، هذه الأمراض كالحقد والحسد والرياء والكبر يؤدي تراكمها في القلب دون علاج لتعدّي الضرر للصحة الجسديّة والنفسيّة أيضًا، وهُنا يتجلّى مفهُوم إسلاميٌ جليل ألا وهو: «القلبُ السّليم». فما هو القلب السّليم؟ وما وسائل الارتقاء بقلُوبنا إلى هذه الدرجة العليّة وتطهيرها من أمراضها؟
ما هو القلب السليم؟
قال اللّٰهُ تعالى عن نبيّه إبراهيم -عليه السّلامُ-: ﴿إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
فقد كان القلب السليم من أولويات سيدنا إبراهيم واهتماماته، حتى أنه حين كان يجادل قومه أخذه الحديث عن الله -سبحانه- ثم لما توجّه له بالدعاء
قال: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ • يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونٌ • إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.
إذن فنجاةُ المرء يوم القيامة من النّار رهنُ قلبه وسلامته من الشّرك، وبقدر سلامة القلب تكون رِفعة الدّرجات في الجنّة، ولا شكّ أن صاحب القلب السليم هو السعيد المرتاح الذي لا تُشقيه الدّنيا ولا أهلها ولا زهرتُها، لذلك كان القلبُ السّليم هو القلب الخالي من النفاق والشرك، المُخلص للّٰه في العبادة، الخالي من المعاصي والشهوات والشبهات وآفات القلوب وأدوائها، العامر بمعرفة اللّٰه وحبّه. وقد تجلت هذه الصّفات بوضوح للناظر في قصّة إبراهيم -عليه السّلامُ- في القُرآن.
وفي ضوء هذه الآيات وسياقها نستنتج زاد الطّريق إلى “القلب السليم”
الوصول إلى القلب السليم رحلة تحتاج صبرًا وجهادًا، فكما تسلّمنا قلوبنا في هذه الحياة نقيّة ثمّ كدّرنها بالمعاصي والشهوات والشبهات لفترات طويلة، علينا أن نصبر ونُصابر في طريق تحريرها من هذه القيود وإماطة الأذى عنها، لا أن ننتظر حصُول ذلك بين ليلة وضحاها، وإلّا نستسلم!
حين يعلمُ المؤمن أنّ قلبهُ محلّ نظر اللّٰه، ألا يخجلُ أن يرى اللّٰه فيه حقدًا أو حسدًا لمُؤمن؟ ألا يستحي أن يرى فيه رياءً أو كِبرًا؟ أو حُبًّا للدّينا وزُخرفها ينازع حُبّه لربّه ولقائه؟
وسائل تطهير القلب
إنّ أوّل ما ينبغي العمل عليه هو تعزيز الإيمان واليقين باللّٰه، والتّعرّف على اللّٰه وكثرة الحديث عنه، فهذا خيرُ دافعٍ لأمراض القلُوب. ثمّ تحلية القلب بتدبّر القُرآن، وإعماره بذكر اللّٰه والعمل على اكتساب لين القلب، فلين القلب ورقّته مما يُذهب رجس أمراض القلوب ويُبعدها عنهُ، ومما يزيل قسوة القلب المسحُ على رأس اليتيم والإحسان إليه، وكذلك كثرة التصدُّق، وإنّ لعيادة المرضى ومُواساة المكروبين في القلب عظيم الأثر.
كذلك تنويع العبادات والاستكثار من الأعمال الصالحة لهُ دور كبير في تحقيق سلامة القلب مع الدّعاء، فقد كان من دُعائه ﷺ: «ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبّت حُجّتي وسدّد لِسَاني، واهدِ قلبي، واسلُل سخيمة صدري».
وكما نعتني بقلوبنا ونخاف عليها من الأمراض العضويّة، فحاجتنا إلى العناية اليومية بسلامتها النفسيّة أولى وأعظم، فبها راحةُ الدّنيا، وفلاحُ الآخرة، وتتّضح لنا مركزيّة سلامة القلب وعلاقتها بالجسد كله من حديث المصطفى ﷺ: «ألا وإن في الجسد مُضغة إن صَلحت صلح الجسدُ كلّه، وإن فسَدت فسد الجسدُ كلّه، ألا وهي القلبُ».