في عالم الأنمي والكرتون، يتسلل ثقافة الطعام الياباني والوجبات السريعة إلى عقول الأطفال والمشاهدين بطرق مبتكرة، فتغدو أكثر من مجرد طعام؛ تصبح أسلوب حياة، وتتحول إلى رمز من رموز المتعة والراحة، وغايةٌ مشتهاةٌ.
يتم الترويج لهذه الثقافة باستخدام تقنيات دعائية دقيقة؛ تجعل من هذه المأكولات الدخيلة؛ ثقافة.
ومعرفة أسماءها وطرق طهيها؛ علم يُتقّفىٰ!
فتظهر المأكولات في مشاهد غاية في الإنسيابية ومحاكاة للواقع بدقة، مع جذب العيون؛ بواسطة البريق واللمعان والتفاصيل الدقيقة!
ثم تتداخل المأكولات مع المغامرات فنشاهد فيها الأبطال وهم يتناولون طعامًا يثير اللعاب من مطاعم مشهورة، أو يحملون أكياسا لمنتجات؛ مما يعزز الرسالة الترويجية، دون أن يشعر المشاهد بأنه أمام إعلان مباشر، وثقافة مفروضة!
ثم يأتي “التركيز على الشخصيات المحبوبة” ليشكل طابعًا إضافيًا.. كيف لا، وهي الشخصيات التي يلتف حولها الأطفال؟
- فكم اشتهينا تناول طبق الرامن ونحن نشاهد ناروتو يبتلعه بنهم!
- وحاولنا تناول الشعيرية بعيدان الطعام الآسيوية.
- وكم اشتهرت حلوى الدورايكي من دورايمون.
- وشاعت في أصقاع الدنيا الزلابية الصينية ” الدامبلينج” من أنميشين “كونغ فو باندا”.
- وكرات الأرز “الأونيغيري” في “ساسوكي” و “ون بيس”.
- وتلك الكعكة الشبيهة بالسمكة “التايياكي” وغيرها مما يطول ذكره، وما تشتهيه للمرء نفسه.
حتى باتت قنوات اليوتيوب تتسابق لطهي هذه المأكولات مع ربطها بالأنميات التي شهرتها، فتحقق المشاهدات المليونية!
ويأتي “التعاون التجاري بين شركات الأنمي والمطاعم السريعة”؛ ليعزز هذا الربط العميق بين الترفيه والطعام؛ حيث تتعاون شركات الأنمي وشركات الوجبات السريعة لإنتاج وجبات خاصة تحمل شعارات أو ألعابًا مرتبطة بمسلسلات كرتوني وأنميات مشهورة؛ مما يشجع الأطفال وعائلاتهم علىٰ شراء الوجبات للحصول علىٰ المنتجات المرتبطة بشخصياتهم المحبوبة؛ وتتحول تلك المأكولات إلىٰ جزء لا يتجزأ من الذاكرة الجمعية للأطفال.
كل هذه الأساليب تعمل على زرع هذه الوجبات في وجدان الأطفال كرمز للمتعة، والترفيه، مما يؤدي إلى تشكيل ثقافة غازية، من خلال شهوة البطن التي طالما جرّت البلاء، ودخل منها إبليس إلى بني آدم وكانت أول مداخله للإيقاع بآدم وزوجه، فبأكلة أخرجهما من دار القرار إلى دار الذل والافتقار
﴿فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ﴾ [سُورَةُ الأَعْرَافِ :٢٢ ]
وبالنهاية، هذا التوسع في شهوة البطن وتزيينها، لم تكن مجرد وسيلة للسيطرة الاقتصادية، بل هي بوابة للشهوات، و نوعٌ من الاستعمار الناعم، الذي يغزو الشعوب عبر زوايا الحياة اليومية، ويستهدف ترسيخ هيمنة ثقافية، ويصنع هويات تابعة لأمم كافرة.
إنه احتلال بلا جنود، يفرض ثقافات وافدة، تُعظّم فيه أمم تلك الثقافات ونمط حياتها، وتاريخها، وتزهد الأمم الموفود إليها في أنعام الله عليهم، وتورثهم قلة الاعتزاز بتاريخهم وحال سلفهم مع فهم الدنيا وملذاتها ؛ ليغدو الإنسان معظمًا لنظام لا يرى فيه سوى ما أخبرنا الله سبحانه:
﴿ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } [سورة الروم:٧]
ومعلوم كيف كانت حال النبي ﷺ مع الأكل، مات -بأبي هو وأمي- ولم يشبع من خبز الشعير، وكره ﷺ والسلف أمر التوسع بالمأكل لما يوهن النفس، ويركنها للدنيا وملذاتها، ويوهن البدن، ويثقله عن العبادة والتفكر، ويورثه سمنة وأمراضًا
قال النبي ﷺ: « ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنٍ، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه..»
والسِمن علامة بطر وترف، حتى أنه عُد من علامات أهل أخر الزمن، ولا غرابة.
قال النبي ﷺ: « خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم “. قال عمران : لا أدري أَذَكَرَ النبي ﷺ بعد قرنين أو ثلاثة.
قال النبي ﷺ : ” إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يُسْتَشْهَدُون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السِّمن”. (صحيح البخاري)
وقد كره السلف تقليد الأعاجم في كل شيء فورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب لعمّاله في أذربيجان:
«عليكم بِاللِّبْسَةِ المَعَدِّيَّةِ، وإياكم وهدي العجم؛ فإِن شر الهدي هدي العجم».’¹’
وفي مسند أحمد أن عمر رضي الله عنه قال: «.. عليكم بالمعدية، وذروا التنعم، وزي العجم ..»
والمقصود بالمعدية: نسبة إلى مَعَدّ بن عدنان أبو العرب، والمراد الأخلاق والخصال والعادات المعدية، وكانوا أهل غلظ، وخشونة في المعاش أو اللبسة والأكسية. ‘²’
ووالله صدق
فنحن شهدنا عيانًا في هذا الزمن، الذي عُظّم فيه الأعاجم وهديهم، وحلاوة عيشهم ودنياهم، واهتم الناس لملء البطون، وزيّن كل ذلك في العيون، وتنافس الناس عليه تنافس الضباع على الجيف!
‘¹’ أخرجه ابن أبي شيبة، وابن شَبَّة، وغيرهما، بسند صحيح وأصله ما ذكرنا في مسند أحمد.
‘²’ حاشية السندي على مسند أحمد