زينة رمضان

|

فرحُ المؤمن بمواسم الطاعات دليل على حياة قلبه وإيمانه وتقواه، كما قال تعالى:  ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، والمسلم مأجور -بإذن الله- حتى على مشاعر الفرح والسرور التي تعتريه في هذه المواسم فرحًا بالطاعة وابتهاجًا بأن أحياه الله ليتنعم بشهر رمضان والخيرات التي فيه.

والإسلام دين سَعة وفرح ضمن حدود حَدَّها الحق سبحانه لعباده بلا إفراط أو تفريط، ويدخل ضمنًا فيها مظاهر الفرح والتعبير عنه، والتي يجب أن تكون على الوجه الذي يرضاه الله لعباده بلا معاصٍ أو آثام أو تبذير.

ومما يلاحظ في هذه الأيام المباركة: إقبال الناس على الزينة الرمضانية -وهذا أمر مبهج يدل على حب الناس لمواسم الطاعات إن كان بحدود المشروع- لكن أن تتحول الزينة من وسيلة قد تتوفر أو قد تغيب -لإظهار تعظيم الشهر الكريم والفرح بشعائر الله- إلى غاية تنفق عليها الأموال الكثيرة: أمر يحتاج لوقفة ومراجعة من الناس!

فَتحوُّل مظاهر الفرح والبهجة من سعادة بأبسط الأشياء، إلى هَمّ و نفقات تُثقل كاهل الأُسر المسلمة، وباب للمقارنة والمفاخرة بين الناس أمر ينافي شهر رمضان والزهد الذي فيه.

إضافة لذلك: محاولة الناس للتشبه بالنصارى في طريقة تزيينهم لأشجار أعياد الميلاد وأسلمةُ تلك الشجرة وتحويرها إلى  هلال!

والمسلم مأمور بمخالفة الكفار في كل أحواله، وفي باب العبادات من وجه أخص؛ لما فيها من اعتقاد يقوم عليه دين المرء، وعليه صلاح دنياه وآخرته.

فجهلُ الناس بمعنى الفرح الحقيقي بهذا الشهر العظيم؛ ولّدَ لدى البعض خللًا  في التعبير عن ذلك، وأوقع المسلم بمخالفات كان الواجب عليه أن لا يأتي بها (منها التشبه بالنصارى في زينة أعيادهم الكفرية)، والإسراف والتبذير والتكلف في الزينة الرمضانية الذي قد نهى الشرع عنه، وحَثَّ على نقيضه وعلى الاقتصاد في الإنفاق.

والإسراف في اللغة هو مجاوزة الحد، ويعرِّفه الجرجاني بأنه: مجاوزة الحد في النفقة.والإسراف قد يكون من الغني والفقير على حد سواء، ولهذا قال سفيان الثوري -رضي الله عنه-: “ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلا”، وكذا قال ابن عباس -رضي الله عنه-: “من أنفق درهمًا في غير حقه فهو سرف”.

وقد نهى الحق عباده عنه فقال:﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف ٣١].

وأشار أبو الحسن الماوردي -رحمه الله- إلى كثير من صور الاسراف حين قال: “من التبذير: أن ينفق ماله فيما لا يجدي عليه نفعًا في دنياه، ولا يكسبه أجرًا في أخراه، بل يكسبه في دنياه ذمًّا، ويحمل إلى آخرته إثمًا، كإنفاقه في المحرمات وشرب الخمر وإتيان الفواحش، وإعطائه السفهاء من المغنين والملهين والمساخر والمضحكين،

ومن التبذير: أن يشغل المال بفضول الدور التي لا يحتاج إليها، وعساه لا يسكنها أو يبنيها لأعدائه ولخراب الدهر الذي هو قاتله وسالبه،

ومن التبذير: أن يجعل المال في الفرش الوثيرة، والأواني الكثيرة الفضية والذهبية التي تقل أيامه ولا تتسع للارتفاق بها…” ثم يقول: “وكل ما أنفقه الإنسان ما يكسبه عند الله أجرًا ويرفع له إليه منزلة، أو يكسب عند العقلاء وأهل التمييز حمدًا: فهو جود وليس بتبذير وإن عظم وكثر.

وكل ما أنفقه في معصية الله التي تكسبه عند الله إثمًا وعند العقلاء ذمًّا: فهو تبذير وإن قلّ”.

فابتهج يا أخ الاسلام وافرح بنعمة بلوغك هذا الشهر العظيم، ولكن لنعلم جميعًا: أن أعظم الفرح هو فرح القلب المؤمن والروح المسلمة بهذه المواسم العظيمة، ويكتمل الفرح بتلك المنة حين يختم الشهر وقد بادرتَ فيه للخيرات ترجو من الله القبول.

فزيّنوا قلوبكم لرمضان قبل دياركم؛ فإنها محطّ نظر الحق سبحانه وبها يسبق العارفون، ويصل المحبون لربهم، فيا عباد الله لا تسرق منكم الماديات -والبذخ فيها- الفرح برحمة الله وفضله، إنما السرور سرور القلب!

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة