فضيحة آلمتني

|

فضيحة آلمتني خواطر سائرة إلى الله

في صيف ذلك العام، أذكر أنني كنت بالمرحلة الابتدائية، لم أتجاوز حينها الثانية عشر من عمري، كنت أنا وأختي الصغرى نُشارك ببعض الأعمال المنزلية البسيطة؛ ككنس الأرض وغسل الأطباق والأواني وجلب الماء من مورده، ثم ما نلبث أن تنشغل كل واحدة منا بما يهمها في تلك العطلة الطويلة.

من بين ما كان يشغلني حينها قراءة بعض الكتيبات التي كانت تصل إلى أختي من المملكة العربية السعودية، لمجموعة من العلماء كابن باز وابن عثيمين رحمهم الله، وكانت نفسي تتوق لسماع بعض الدروس والأناشيد. اشتهر عندنا في تلك الفترة المنشد أبو الفداء، صاحب الصوت الشجيّ، وقد بلغَت أناشيده من قلبي كل مبلغ؛ فهي التي تدعو إلى الأخلاق والفضيلة ونصرة الدين والوطن، وما ترنم بأنشودة إلا وترنمت معه بروحي وكل وجداني، وكثيراً ما ردَّدت تلك القصائد وأنشدتها وكتبتها وحفظتها.

أذكر جيداً ذلك اليوم حين طلبت مني والدتي الوقوف على كسرة الخبز حتى لا تحترق، كانت هي تعجنها وتجهزها ثم أنا أقلبها على النار حتى تمام نضجها، والجميل في الأمر أن المكان الذي كنت فيه منعزل بعض الشيء، وهذا ما يريح نفسي ويطيب له خاطري. أذكر أنني رددت يومها أنشودة لأبي الفداء ويدي في كسرتي أراقبها وأقلبها بين الفينة والأخرى، وما لبثت الدموع أن فاضت وحشرج صوتي؛ واهتزت أوصال قلبي لتلك المعاني الجميلة في حب الله والشوق اليه!

كنت مطمئنة أن لا أحد ينظر إليّ سوى ربي، فالمكان منعزل وليس فيه غيري، غير أن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن! لقد كانت أختي الصغرى تراقبني من بعيد، ثم ما لبثت أن راحت تصيح في البيت: “خديجة تنشد وتبكي، خديجة تنشد وتبكي”.

لقد فُضح أمري؛ أحسست بألم لا يمكن وصفه في داخلي، وتمنيت أن لو لم يحدث هذا الموقف أبداً. ومبعث ألمي ليس الخوف من الفتنة أو الرياء، أصلاً لم أكن أفهم حينها معنى الفتنة في هذا المقام، ولا أفقه معنى الرياء، ولكن بفطرتي أحب الخلوة والانعزال عن الخلائق، إذا كان ما بيني وبين ربي شيء من المناجاة.

بكيت يومها ألماً لهذه الفضيحة وقد كنت قبلها بلحظات أبكي حبًّا وشوقاً لربي الكريم.

حينما أستذكر هذه الأيام التي عشتها، وأستحضر الفطرة السليمة لتلك الطفلة السائرة إلى الله، أدرك اليوم كم نحن بعيدون عن هذا المقام، وكم شوهت المدنية الحديثة منا فطرتنا حتى لم نعد نشبه أنفسنا في شيء. وإني لأعجب لهؤلاء الذين يكونون في عبادة أو يؤدون منسكاً من المناسك كالعمرة مثلاً، ثم يهرعون إلى تصوير كل خطوة يخطونها وكل حركة وسكنة منهم، ثم يشاركونها مع العالم كله! أي انتكاس رهيب للفطرة نعاني منه اليوم؟

وما هذا البلاء الذي جرته إلينا هذه المواقع؟

أذكر أنني رددت يومها أنشودة لأبي الفداء ويدي في كسرتي أراقبها وأقلبها بين الفينة والأخرى، وما لبثت الدموع أن فاضت وحشرج صوتي؛ واهتزت أوصال قلبي لتلك المعاني الجميلة في حب الله والشوق اليه!

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة