آيةٌ تبعث للقلب طُمأنينةً عجيبة؛ معها تتلاشى كل مخاوفك وأوجاعك وانكساراتك.
عندما أراد الله أن يُثبت سيدنا موسى وأخاه عليهما السلام أمام الطاغية فرعون؛ طمأَنه بها أن لا خوف ولا ضعف؛ فالله يسمع ويرى.
الله هو السميع، يسمع ما بداخلنا ويعلم ما تُكنه الأفئدة والصدور؛ فيعلم كم الإنسان ضعيف وبحاجة لتثبيت، ولمدد وقوة ويقين، حتى يقدر أن يكمل الطريق، ويوصل رسالته، فبعث الله له هذه الآية لتنتشله من بحر الخوف إلى طُمأنينة النجاة.
وهكذا هي طبيعة الإنسان البشري، يحتاج في هذه الحياة القاسية من يكون معه، يسمعه فلا يمل من الإنصات له، يخفف أثقال الحياة من على كتفه، ويحمل معه الهموم والأحزان، من يربت على كتفه ويكون له السند الذي لا يميل، والظهر الذي لا ينكسر.
نحن ضعاف، والحياة إذا لم نجد فيها من يعين، ويواسي ويطمئن، فستزيد صعوبتها أضعاف مضاعفة، إلا لمن وجد طمأنينته من عند الله لا البشر، لمن لجَأ لله بضعفه فمده الله بقوته، لمن أحب الله حقاً، هنا ستصغر بعينه فكرة اللجوء للبشر، وسيهرع لله في السراء والضراء.
فما أجملها عندما تأتي المواساة من الله الرحيم، السميع، العليم، عندما يخرجنا من الظلمات إلى النور، عندما يمدنا بقوة حتى نشعر بيقين أننا يمكننا إزاحة جبل من مكانه طالما الله معنا، عندما تضيق كل الدنيا بنا، فلا نجد من نبوح له ويسمعنا، وإذا سمعنا تزمر من كثرة كلامنا، فنرجع بانكسار لربنا، ونبث له عن مايفتت فؤادنا، حتى تدخل رياح السكينة من بين هذا الإنكسار فترممه.
ما أجمل هذه اللحظات، هي شيء لا يعبر، إنما يحس، اللحظات التي نشعر فيها أننا لسنا بحاجة للبشر، فقد أغنانا الله بفضله عمن سواه، فلسنا بحاجة لمن إذا شكونا له تزمر، فالله كافٍ عبده وهو السميع العليم، يعلم ما نشعر به من غير أن نشكو، فهو مطلع على القلوب، عليم بما فيها، ولكن يحب أن نناجيه ونشكوا له، يريدنا أن نطرق باب الدعاء ونُقبل عليه.
وهذا لا يحتاج منا أن نكون فقهاء أو علماء، وأن لا نذنب، فقط بحاجة لأن نأتيه بقلبٍ منيب، صادق، مخلص لله. قف على بابه لن يردك، لا تحضر عند الدعاء الكلام البليغ -وهو لا بأس به-، ولكن أحضر قلبك، ستشعر بلذة مختلفة وكلام صادق يخرج منك.
حتى لو كنت مذنباً ألف ذنب فالله غفور طالما لا زلت تؤمن به، وموقن بوعده.
قد غفر لمن قتل مئة نفس فكيف تستعظم ذنبك وعفو الله وغفرانه وكرمه أعظم؟ دعك من كل ما مضى، وأقبل عليه وأنت موقن أنه السميع العليم، الرؤوف الرحيم، حينها ستجد الخير العظيم.
وسترى أبواب الشر والذنوب والأحزان والانكسار واليأس تغلق.
وأبواب الخير والطمأنينة، والسكينة، واليقين، والجبر، والعوض، والغفران، تفتح بإذن الله. فقط أقبل بقلب صادق.
وهنيئاً لمن جعل أول من يلجَأ إليه عند السراء والضراء هو ربه سبحانه وتعالى.