ما أعجب ذلك الذي ابتليت به! لقد كنت كالقشة في يوم عاصف؛ فلا يهدأ لي بال، ولا أستقر في مكان، وأنا بين ذلك كله أحاول أن أثبت، وأن أُظهِر الجَلَد، وأكتم المعركة الحاسمة التي أخوضها بداخلي؛ لأبدُوَ شخصاً طبيعياً، وطفلة بريئة تعيش طفولتها كما كل الأطفال.
لقد أصابتني وساوس الشيطان في مقتل، وبلغت بي حد الجنون، لولا لطف الله ورحمته.
بدأ كل شيء بخاطر سيء، سمحت له أن ينفذ بيت أفكاري، ثم اتبعته واقتفيت أثره، ولم أكن أعلم أن تلك خطوات الشيطان، وذلك طُعمه يسوقني به من حيث لا أدري إلى مصير مجهول، حيث لا رجعة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله”؛ أما أنا فقد غرني الشيطان مستغلاً فضولي وطفولتي وجهلي، وجعلني أتفكر في ذات الله حتى وصلت إلى شيء لا يقبله عقل عاقل، ولا ورع مؤمن ولا صدق موحد. لقد وصلت إلى ما يسحبني نحو الكفر والعياذ بالله.
كنت أدافع تلك الأفكار بكل ما أوتيت من قوة؛ لكنها تسلّطت عليّ وصارت كوسواس قهري، ضاغط علي في كل أوقاتي، إذ لم تخلو لحظة من هذه المعركة التي أنهكتني وسلبتني راحتي، وجعلتني كالحلس البالي في ساحة حرب حمي وطيسها. وحيدة بلا سلاح أقاتل به، أو رفيق يدفع عني شر ما ألاقي، وصار همي الوحيد هو متى يحلّ الظلام لأنام وأرتاح من هذا العذاب.
العجيب أنّ كلّ هذه المعركة الطّاحنة دارت أحداثها في صمت وكتمان في داخل تلك الطفلة المشتعل ناراً، ثم هي تحاول بل وتتكلف لتبدو طبيعية تماماً بين الأهل والأصحاب.
لم تكن لي يومها قدرة على البوح بما ألاقي؛ فقد استعظمت ذلك، فكيف أسمح لأفكار الكفر أن ترد بيت أفكاري؟ وكيف أسمح لنفسي أن أحدّث بها؟ لقد كان الموت بأبشع صورة أهون عندي من ورود هذه الأفكار. هكذا كنت أحدث ربي في مناجاتي ودعواتي، عله يرفع عني ما أبتليت به.
ولا زلت على هذا الحال فترة من الزمن ليس لي فيها إلا دعواتي، ودمعاتي في خلواتي، حتى أذن الله بكشف كربتي، ونهاية أحزاني.
لقد كان درساً قاسياً جداً، وزلزالاً شديداً تعلمت منه كيف أشغل نفسي بما ينفعني، وأترك ما لا يعنيني، وأن أتفكر في خلق الله ولا أتفكر في ذاته؛ فذلك أعظم من أن يحوط به عقل بشر.
وهنا أقف وقفة ناصح لكل أب وأم ومعلم ومربي: علموا أولادكم العقيدة الصحيحة، ورافقوهم في رحلتهم لمعرفة الله، وسلحوهم بما يثبتهم في أرض المعركة مع الشيطان؛ فإن الطريق طويل والعدو لا يرحم.