نجوم ذكّرتني

|

نجوم ذكّرتني خواطر سائرة إلى الله

حلّ اللّيل وأدلى الظلام سدوله على الكون في ليلة صيفية هادئة، لا يُسمع فيها إلا صوت نقيق الضفادع هنا وهناك، وكأنها في حفل بهيج بعدما سكن الناس، وخلت لها السّاحات؛ فلم يقطع حفلها إلاّ صوت نباحٍ آت من بعيد.

امتزج سكون الليل بتلك الأصوات؛ فزاد هيبة تبث في النفس رغبة في تأمل كل شيء؛ لتعرف أي وجهة تقصد سفينتها فتشق لها البحر، وأي سبيل هذا الذي تخوض لأجله الأهوال وتصارع الأمواج.

أذكر يومها أنني جلست في زاوية من سطح منزلنا، ويَمّمتُ وجهي نحو السماء؛ فإذا بالمنظر البديع، والمشهد العجيب، والصورة التي تملأ النفس بهجة وسروراً، بل وهيبة وتعظيماً لهذا الخالق المبدع.
فأيّ خلق أعظم من هذه السماء الممتدة بين أطراف هذا الكون، وقد زينتها تلك النجوم المتلألئة وكأنها مصابيح متناثرة في تناسق وتناغم عجيب؛ فلا تملك الروح إلا أن تخضع، والقلب أن يخشع، والعين أن تدمع، وهي ترى هذه الآيات الكونية، وتسمع كلام مكونها {وزينا السماء الدنيا بمصابيح، ذلك تقدير العزيز العليم}.

بينما أنا قد غُصت في كل هذه المعاني؛ إذ طرق ذهني خاطر على حين غرّة. لقد تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدّرّي الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب؛ لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟! قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين”.

تذكرت حديث رسول الله فأصابني الهمّ والغمّ، وأحسست بانقباض في داخلي أفسد عليّ ما كنت عليه قبل لحظات! هل يعقل أن أرى منازل السابقين المقرّبين في الجنة كما أرى هذه النجوم؛ وقد كنت ممن أبطأ بهم المسير في الدنيا؟

يا ويح نفسي، كيف أتحمل ذلك وقد خلى هؤلاء بمحمد وصحبه، بينما أنا قابعة في أدنى منزلة في الجنة وقد أوتيتُ مُلكَ عشر ملوك من الدنيا؟ ماذا أفعل بمُلكِ عشر ملوك أو مائة ملك، ولم أحظى بصحبة نبيي محمد، ولم أشرب من يده الشريفة، ولم تقرّ عيني بجواره ورؤيته في كل حين؟

نبيي الذي تعب وشقي، ودمعت عيناه وأُدميت قدماه، وتهشّمت رباعيته، ورُمِيَ بالحجارة، وابتلي بلاءً شديداً؛ من أجل أن أكون على صراط مستقيم؛ فلا أضل ولا أشقى.

لقد أحسست أن نعيم الجنة كلِّها؛  أنهارها ووديانها، أشجارها وظلالها، بساتينها وثمارها، قصورها وخيمها، لا يساوي شيئاً أمام نعيم صحبة النبيين والصديقين في أعلى الجنان.

فيا ربي، أريد أن أكون معهم، وحسبي ذلك نعيماً. أريد أن أكون مع أمي خديجة؛ فأملأ عيني بتلك الملامح البهية، للمرأة التي لطالما قرأت عن مناقبها العظيمة، وصفاتها الجليلة. المرأة المعطاءة التي وقفت كجبل شامخ، وطود عظيم، في وجه البلايا والرزايا؛ لتكون سنداً لنبي الله، طمأنينةً تبثها في قلبه، وسكينةً ترسمها على وجهه؛ فكان الجزاء من جنس العمل أن “يا محمّد أقرئ خديجة من الله السلام” “وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب”.

أريد أن أكون مع أمي عائشة؛ فأُقَبِّل يدها الشريفة، وأجلس في حضرة تلك الحبيبة التي لطالما أحببت غيرتها، وضحكت من كسرها الإناء، وابتسمت عندما سابقت رسول الله؛ فسبقته ثم سبقها. تلك العالمة النحريرة، والمحدثة الفقيهة التي نقلت لنا الكثير من سيرة رسول الله وسنّته.

أريد أن أكون مع فاطمة بنت رسول الله، وأحظى بمشاعر القرب في حضرتها، وهي سيدة نساء الجنة. أُمُّ أبيها الشريفة العفيفة الصابرة في خدمة بيتها وزوجها وتربية أبنائها.

أريد أن أكون مع آسيا بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وهاجر زوج إبراهيم، اللواتي تجرعن المرار وذقن العذاب؛ فكن الصابرات الثابتات في طريق السائرين إلى الله.

بل أريد جوار أنبياء الله، موسى، وعيسى، وزكريا، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، ويوسف….

بل إني أريد جوار أبي آدم وأمي حواء؛ فلا أغيب عنهما ولا يغيبا عني.

سآتيك طائعة يا رب؛ عسى أن أكون معهم، وقد قلت وقولك الحق: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً}.

لقد أحسست أن نعيم الجنة كلِّها؛  أنهارها ووديانها، أشجارها وظلالها، بساتينها وثمارها، قصورها وخيمها، لا يساوي شيئاً أمام نعيم صحبة النبيين والصديقين في أعلى الجنان.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة