أين المرأة المسلمة من الاستجابة لله ورسوله؟

|

أين المرأة المسلمة من الاستجابة لله ورسوله؟

خطابي للمرأة المسلمة، التي تؤمن يقينًا أن لها رب حكيم ودود عدل غفور. خطابي لتلك المرأة التي خضعت لقوانين البشر تاركةً قوانين خالق البشر، ليس تكبرًا وعنادًا؛ لكن سوّلت لها نفسها وغلبت عليها شقوتها، فهي بحاجة لمن ينتشلها وينير بصيرتها.

إن من أعظم ما ابتلي به الكثير من النساء اليوم هو البعد عن الخطاب الشرعي والخضوع والاستجابة له، فتجد الكثيرات يجادلن في الحكم الشرعيّ؛ حتى وإن قيل لها قال الله وقال الرسول ﷺ.

وهذا لا شك ينافي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ..} الآية. والاستجابة هي الانقياد للأوامر والمبادرة إليها، والاجتناب للنواهي والانكفاف عنها.

فالحقيقة أنكِ يا رعاكِ الله إن هربتِ من الانقياد لأوامر خالقك العليم الحكيم؛ بُليت باتباعٍ وانقيادٍ لهواك أو لشياطين الإنس والجن، وهذا واقع نعيشه الآن.

قال ابن القيم -رحمه الله-: (هربوا من الرّقِّ الذي خُلقوا له، فبلو برقِّ النّفسِ والشيطانِ).

ولتفهمي عن أي انقياد أتحدث، تأملي معي حال نساء الأنصار رضي الله عنهن حين نزلت آية الحجاب في قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}، خرجنَ كأنَّ على رؤوسهنّ الغِربان من الأكسية، وهذا فيه كناية على شدة حرصهن في الاستجابة لأمر الله عز وجل.

وهكذا يكون الانقياد والإذعان، لا مجادلة ولا رأي يحكّم وفق معايير علمانية مزدوجة لا تمت للإسلام بِصلة، فقد قال تعالى:

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}.

يقول السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: (لا ينبغي ولا يَليقُ بمن اتَّصف بالإيمان إلاَّ الإسراعُ في مرضاة الله ورسولِهِ والهربُ من سَخَطِ الله ورسوله وامتثالُ أمرِهما واجتنابُ نهيِهما؛ فلا يليقُ بمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ، ﴿إذا قضى اللهُ ورسولُه أمرًا﴾: من الأمور وحَتَّما به وألزما به ﴿أن يكون لَهُمُ الخِيَرَةُ من أمرِهم﴾؛ أي: الخيار هل يفعلونَه أم لا؟).

وتالله أنه لا يصل المرء لهذه المنزلة من الاتباع إلا بعد رسوخ الإيمان في قلبه، ومعرفته أن الله تعالى أعلم به من نفسه، وأرحم به من أمّه، فهو سبحانه وتعالى الرحيم الودود العدل الحكيم.

ومن أهم الأمثلة التي يمكن ضربها في هذا الباب هي طاعة الزوج، فطاعة الزوج واجبة -في غير معصية-

وهذا أمر الله، فالله جل جلاله عظّم حق الزوج على زوجته وأمرها بطاعته بل تكون بذلك امرأة صالحة قانتة، قال ابن تيمية -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ}؛ فالمرأة الصالحة هي التي تكون “قانتة” أي مداومة على طاعة زوجها.

فلا ينبغي للمرأة ذات الدّين ورجاحة العقل أن تعامل زوجها معاملة النِّد بالنِّد، بل تعرف متى تناقشه ومتى تسايره وما شابه ذلك.

واعلمي رعاكِ الله أن طاعتك لزوجك وكونك تحت قوامته لا تنقص من قدرك شيئًا -كما يقول ذلك بعض منتكسين الفطرة-؛ بل إنك بذلك في عبادة جليلة وتسيرين على نهج نساء المؤمنين -رضي الله عنهنّ-، فلو كان في ذلك سوء أو ذُلّ -كما يدّعون- لما رضي الله لأشرف نساء العالمين ذلك.

فهذه فاطمة -رضي الله عنها- ابنة أشرف الخلق وخير المرسلين، كانت في خدمة زوجها كما جاء في الحديث المشهور حينما ذهبت تطلب النبي ﷺ خادمًا..

فجهادي نفسك على طاعة زوجكِ بالمعروف، وتأسي بنساء المؤمنين -رضي الله عنهنّ-، وإيّاكِ ثم إيّاكِ أن تسمعي لمن تخببك على زوجك وتبتغي فسادًا بينكما، إمّا بحديثها عن طاعتك له على سبيل السخرية أو التنقيص من قدره، فهي أول من يفرّ منك حين تنشزين عن طاعته وتكسري!

بل كما أننا نتمدح طاعة الوالدين وولي الأمر، فطاعة الزوج من باب أولى. أولًا: لكون طاعة الزوج بالمعروف مقدمة على طاعة الوالدين. وثانيًا: لقلة المستجيبات؛ فنشجع من نراها على هذا الخير.

ولعل اعترتكِ بعض الأسئلة أثناء قراءتكِ، وسأجيب على بعض منها:

– ماذا لو كان ظالمًا ولم يعطيني حقي كزوجة؟

أقول: على الزوج أن يتقي الله ويتذكر قوله تعالى: {فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُوا۟ عَلَیۡهِنَّ سَبِیلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیࣰّا كَبِیرࣰا}

ختمت الآية بقوله جل جلاله {إن الله كان عليًّا كبيرًا}، وكما ذكر ابن كثير في تفسيره أن في الآية “تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب فإن الله العلي الكبير وليهنّ وهو ينتقم ممن ظلمهنّ وبغى عليهنّ”.

وكم من أحاديث يوصي فيها نبينا صلى الله عليه وسلم بالنساء، كقوله: “واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.

فهذا من يظلم ويبطش لهُ ربّ يحاسبه، ولكِ أن تسعي إلى ولاة الأمر في هذا، فالشريعة لا تطلب منك السكوت عن حقك كالنفقة وحسن المعاشرة؛ بل جاءت لحفظها وتبيينها. ونحن نتكلم عن حقوق الزوجة في الإسلام لا في غيرها من الأنظمة المُحدَثة.

– زوجي يكلفني فوق طاقتي.

علينا أن نُقرّ أن كثيرًا من الزوجات هنّ من يكلفنّ أزواجهنّ فوق طاقتهم بطلب الكماليات من المأكل والمشرب وغير ذلك بسبب كثرة ما يرينه في وسائل التواصل عامةً، ولكن أيضًا قد يوجد أزواج يحملون عبء البيت كلّه على الزوجة، وهذا ليس من الحكمة؛ فالحياة الزوجية لا تكون بالاستحقاقية البحت هكذا وليس هذا الأصل!

قال تعالى: {وَمِن آياتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا لِتَسكُنوا إِلَيها وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ}

فالمودة والرحمة هي ما تقوم عليه العلاقة بين الزوجين، وكلاهما عليه مراعاة الآخر وأن يراه سبيل له في نيل مرضاة الله وفي القرب منه سبحانه وتعالى.

والأصل في الشريعة التيسير، فإن كان الله جل جلاله قال: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، وقال سبحانه: {يُرِيدُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقال النبي ﷺ: “بَشِّروا وَلا تُنفِّروا، ويَسِّروا وَلا تُعسِّروا”.

وتحقيق هذه المعاني الجليلة قد تكون طوق النجاة في التعامل بين الزوجين.

– هل سأعيش بلا أهداف أو طموح؟

أسمى الطموح هي التي تكون هدفها لنيل الدرجات العُلا ورضا المولى، فأنتِ كامرأة وُكِّلت لكِ مهمة التربية وتنشئة الذرية الطيّبة، وإن أحسنتِ التربية نلتِ وظفرتِ بصالحين وصالحات، بل بداعيين وعلماء يُسد بهم الثغر، ويستغفرون لكِ ويحسنون لكِ عند الكبر، أوليس هذا خيرٌ عظيم بين يديك ووُكِّلَ إليك؟ فلماذا ازدراء هذه الأهداف والانكباب على غيرها؟

وهذا مثالًا ذكرته لا على سبيل الحصر.

وأختم بقول النبي ﷺ: “كل أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى”؛ فأعيذك بالله أن تكوني ممن يأبى!

وأسأل الله أن يرينا الحقّ حقًّا ويرزقنا إتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، والحمد لله ربِّ العالمين.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة