لعلها المرة الأولى التي يطرق فيها هذا الاسم مسامعك، أو لعلك سمعته غير مرة على عجالة، لكن بعد هذا المقال بإذن الله لن تنساه.
الأحواز العربية المحتلة
لطالما كان إقليم الأحواز عربيًّا؛ حيث يقع إقليم ح على شط العرب (الخليج العربي) إلى الجنوب الشرقي من العراق، ويتصل معه اتّصالًا طبيعيًّا عبر السهول الرسوبية، بينما يفصله عن إيران حاجز طبيعي متمثّلًا بسلسلة جبال زاجروس، وقد سكن الأحواز عبر التاريخ الأنباط والتدمريين؛ وهي أقوام تنحدر من أصل عربي. ومن القبائل العربية التي سكنت الأحواز قبيلة ربيعة العربية، بنو كعب، بنو عامر، بنو طرف، بكر، تميم، حرب، مطير، الدواسر، شمر، عنزة، ظفير، سبيع، عتيبة وقبائل أخرى كثيرة وكلها قبائل عربية لها امتدادها بالجزيرة العربية ولها أمراء وشيوخ يحكمونها.
كان الإقليم يتبع ولاية البصرة العراقية طوال فترة الخلافة الإسلامية حتى الدولة العثمانية، فقد استقل الإقليم بعدها كدولة عربية تابعة للخلافة العثمانية، واحتله الفرس في عام 1925م.
يقول مؤرخو تاريخ المنطقة: إن البريطانيين اتفقوا مع الإيرانيين من أجل احتلال الأحواز، وتم لهم ذلك بعد أن شعرت بريطانيا أنّ أمير الأحواز بات يشكل خطرًا على مصالحهم في مياه الخليج؛ فأرادت أن تستبدله ببديل آخر يُكِنُّ لها الولاء.
احتلت إيران الأحواز العربية وسعت لتغيير التركيب السكاني فيه؛ إما بمحاولة نزع العروبة ومظاهرها من الإقليم، أو ببناء مستوطنات فارسية فيه -ألا يذكركم هذا السيناريو وتدخل بريطانيا بقضية ما-.
فما زال يسعى المحتل الإيراني إلى زيادة نسبة غير العرب في الأحواز، وإلى تغيير الأسماء العربية الأصلية للمدن والبلدات والأنهار وغيرها من المواقع الجغرافية في منطقة الأحواز؛ فمدينة المحمرة على سبيل المثال أصبح اسمها (خرم شهر) وهي كلمة فارسية بمعنى البلد الأخضر.
طالت عمليات تغيير الطابع العربي كافة جوانب الحياة في الأحواز وكان هدفها فرض الثقافة الفارسية؛ فكان على رأس المحرمات التي أقرها الاحتلال الإيراني الفارسي التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة، ومن يخالف ذلك الأمر يتعرض للعقاب لأن التحدث باللغة العربية جريمة يعاقب عليها القانون الصفوي؛ فقررت إيران بأن تكون مناهج الدراسة في المدارس باللغة الفارسية فقط ولا يجوز التحدث بأي لغة أخرى، ومُنع الأحوازيين من تسمية مواليدهم بأسماء عربية، ومنع لبس الزى العربي واستبدل باللبس البهلوي الفارسي.
وكان من أساليب الإرهاب الفكري التي يمارسها الاحتلال الصفوي على شعب الأحواز؛ ما قامت به طهران بإصدار جريدة في مدينة المحمرة سميت بجريدة خوزستان التي تصدر بالفارسية ويُلزم أبناء الأحواز بشرائها وقراءتها، ومن بعد تم منع تداول المطبوعات العربية وتقديم من يقوم بتداولها إلى المحاكم باعتبارها من المحرمات التي يعاقب عليها القانون.
ومن جملة الحقد الصفوي على كل ما هو عربي تم الاستيلاء على جميع المكتبات الخاصة ونقل محتوياتها إلى داخل إيران، كما تم إتلاف الكثير منها ورميها في نهر كارون، وتم إغلاق مطبعة مدينة المحمرة خشية طبع الكتب العربية فيها أو طبع النشرات المعادية للاحتلال الصفوي، وأغلقت المكتبات التي تبيع المطبوعات العربية وتمت مصادرة محتوياتها والتنكيل بأصحابها.
وللنظام المجوسي في طهران حيل شيطانية لمحاربة اللغة والهوية العربية؛ فكان منها رفض جميع المعاملات إن لم تكن باللغة الفارسية، ويتم منع مراجعة الدوائر الحكومية إن لم يكن التفاهم مع الموظفين باللغة الفارسية، ولا تقبل شهادة أي عربي في المحاكم إن لم يتكلم الفارسية بحجة أن القضاة لا يجيدون اللغة العربية ولا يجوز أن تقبل المحاكم أي مترجم عن العرب أمامها. ومن ضمن حيلهم الشيطانية منع أي عربي من الالتحاق بوظيفة حكومية ما لم يثبت إجادته للغة الفارسية، وقد أدى هذا الإجراء إلى تعرض الكثير من أبناء الأحواز الذين يرفضون التحدث بالفارسية إلى التشرد خارج الأحواز.
ومن الجرائم التي تمت في حق الشعب العربي الأحوازي المسلم أيضًا أن حولت مجاري الأنهار نحو الداخل الإيراني وحرمت الأراضي الأحوازية منها؛ مما جعل الزراعة الأحوازية في تراجع كبير وهي من النشاطات السكانية الأساسية.
وتحكم الصفويون في المياه عن طريق السدود؛ فكانوا يقومون بمنع المياه عن الإقليم صيفًا لدرجة تصل للجفاف، ويتركونها شتاءً حتى يحدث الإغراق للأراضي والممتلكات؛ مما أدى إلى إفقار أهل الإقليم وتجويعهم وتعطيشهم وإمراضهم.
لم يستسلم المسلمون في الأحواز يومًا لهذا الاحتلال؛ فمنذ بدايته وهم يقاومون وينتفضون المرة تلو المرة بغية الحرية والاستقلال، ولكن كل مرة يقمعهم الفرس بأشد ألوان القمع؛ عن طريق الإبادة للقرى والمدن باتباع سياسة الأرض المحروقة، الإعدامات الميدانية والاعتقالات، ومن ثم التنكيل والتعذيب بأشد ألوانه وأعنفها وأقساها.
ومن جرائم الصفويين في الأحواز التي ما تزال قائمة حتى يومنا هذا:
- قيام الدولة الإيرانيّة بارتكاب الجرائم شبه اليوميّة وشن حملات الاعتقالات واسعة النطاق في صفوف المواطنين الأحوازيين العزّل وتعذيبهم حتى الموت، وكذلك حملات الإعدام المتكرّرة أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.
- مواصلة الدولة الإيرانيّة في بناء المستوطنات الفارسيّة في الأحواز، وسلب الأراضي العربيّة ومنحها للفرس المهاجرين.
- نهب كافة الثروات الباطنيّة لأرض الأحواز، أهمّها الكميّات الهائلة من النفط إضافة إلى كميّات كبيرة من الغاز الطبيعي وثروات طبيعيّة أخرى.
- جرّ مياه الأنهار الأحوازية إلى المناطق الفارسيّة، وتلويث العديد منها، الأمر الذي أدى إلى قطع أرزاق الآلاف من المواطنين الأحوازيين وإصابة آلاف آخرين بمختلف الأمراض التي لم يشهدها القطر من قبل، ويأتي ذلك ضمن حملة الإبادة الجماعيّة والتطهير العرقي التي تشنّها الدولة الإيرانيّة على الشعب العربي الأحوازي.
- إهدار كافة الحقوق والحريّات المدنية للمواطنين الأحوازيّين؛ كالحق في الرعاية الصحيّة، الحق في التقاضي، الحريّة الدينيّة، حق الملكيّة، الحق في التعليم، الحق في العمل وحريّة الإقامة والتنقل.
- اقتطاع أجزاء كبيرة من القطر العربي الأحوازي وإلحاقها بالأقاليم الإيرانيّة المجاورة.
- التمييز العنصري في الأحواز بين العرب وهم السكان الأصليين، وبين الفرس المهاجرين.
هؤلاء إخواننا، يلاقون من ألوان العذاب ويتجرعون من ويلات الاحتلال ما يشيب له الولدان.
لا تنسوهم وتعاهدوهم بالدعاء، حتى يأذن الله بالفتح أو أمر من عنده.