الأمهات قلاع الأمة

|

الأمهات قلاع الأمة

. {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}

رب العزة، الله خالق السماوات والأرض، الحكيم، الجميل؛ قالها لملائكته مخبرًا إيّاهم عن سرّ خلق الإنسان بوصفه العام رجًلا كان أو امرأة، ومن هنا انطلق نور التكليف وبداية التّشريف.

ثم ما لبث الخلق يقوم قبل خلق حواء؛ المؤنسة والمعينة في الدّرب الطويل، المعينة لزوجها وأهل بيتها وأولادها. وتتعاقب الأجيال؛ فيضرب الله لأمته المؤمنة بمريم ابنة عمران مثالًا في العبادة والقنوت لله والمراقبة له في أحوالها كلها؛ لتتجلى ثم في سيرة النبي الشهيد بطولات المرأة المسلمة ابنة وزوجة وأمًّا. وها نحن اليوم في حال برزت فيه الحاجة لدور المرأة استكمالًا لسلسلة البطولة، وحاجة ملحة لها في درب الإصلاح، حاجةً خُطّت من رحم المعاناة في عالم الماديات و”الكشخة الفارغة” والحروب؛ لتكون بذا حقًّا قلعة الأمة وحصنها الحصين في مواجهة حملة التغريب.

فيا أمة الله، رسالتي لك من حبر قلمي، وأنا أمة مثلك أعيش ما تعيشين وأتعب كما تتعبين فلم يستدعني ما سأقول مبالغة أو ضربًا من ضروب الخيال؛ ولكن ثقة بالله، واستقراءً لحال العظيمات، وفهمًا لما قد تقدر عليه النّساء، فأنا واحدة منهنّ، والله هو المصطفي والموفق للحق.

فأذكرك يا مصنع الرجال ووتد الثبات، بأن فيك عنصر الايمان والثبات؛ وهو مستمد من الإيمان بالله، من نور الله ووحيه.

أنتِ، نعم أنتِ أقصد، أيًّا كنت وأيًّا كان حالك. لا تنظري أي أخية لفساد بيئتك؛ فهذه امرأة فرعون كانت قدوة للعالمين بصبرها وإيمانها، ولا تنظري لجاهك ومالك؛ فهذه أمنا خديجة سيدة نساء العرب جمالًا وحسبًا فهل توانت؟ والله لقد كانت حاملة بصدق وأمانة العون لنبي الأمة، فدته بكل ما تملك من مال وعون ومشاعر. ولا تنظري لو كنت قليلة مال ومعين؛ فهذه أسماء رضي الله عنها تطحن النوى وتنقل الماء وتنظف الفرس؛ فكانت بذا خير معين لزوجها وبطلها الصحابي المجاهد وأمير المؤمنين علي رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.

 ولا تنظري لصغرك وما قد تربيت عليه من الدلال؛ فهذه أمنا عائشة صاحبة اللعب والفرس ابنة التسع سنين لما تزوجها النبي المصطفى فكانت العالمة الفقيهة المحدثة.

هذه المرأة الواعية تعلم ثغرها فتسده، ولا يؤتى الإسلام من قبلها؛ فلا هي زاحمت الرجال ولا هي توانت للدنيا.

إذًا؛ كلٌّ في ثغره ونقطة رباطه، وبصدق قصده ودأب سعيه؛ ينصر الله به الإسلام. فلا ينبغي بعد ذا أن تنظر المرأة لنفسها إلا من منظار عظيم؛ أي عظيم في بلاغ مدى صدقها وإخلاصها، فاليوم كما استخدمت المرأة بمفاتنها وضعفها الأنثوي معول هدم في الدول الغربية والعربية، هي بحق قادرة على النهوض وإعادة صياغة الوعي وتجديد المعايير كلها؛ لتكون نموذجًا صالحًا لنفسها وأسرتها، فتشكل درع الأمة وسادّ ثغورها.

كيف لك أي ماء العين أن يغمض لك جفن وأنت الآن بموضع كموضع الرماة يوم أحد؟ بل إلا وتأخذين على نفسك العهد أن أربي نفسي وأزكيها أولًا لأكون غدًا الزوجة والأم الصالحة التي تذر نفسها وذريتها جندًا للإسلام، علماء، مجددين، مجاهدين ومشاريع شهادة لله رب العالمين على صدق مبلغ الدين بقلوبنا.

وتذكري -رضي الله عنك- أننا أمة تقوم على الإيمان بالغيب؛ فمن صدق الله صدقه ولو بقلة عدة، ولو بقلة أثر ما دام ذلك قدر استطاعته، ولا يخفى عليك نسائم العز والنصر والوعي المنبثق من ملاحم الصبر والايمان، ولا يخفى عليك أي أمة الله ما في حال الأمه وما هي تهيّؤ له من انهيار مؤسسات الظلم وانتشار نور الإسلام وعدله وخلافته.

ألا فقومي وكوني ابنه البطل وزوج البطل وأم البطل؛ أم البطل التي إن عثر وليدها يومًا أقامته بملئ حنانها وجلدها، وخاطبته خطاب الرجال: أي بني فدتك نفسي وهل خلقك الجبار وتعبت فيك ما تعبت لتبكِ؛ قم فأنت ذخري للأمة، امسح دمع عينك أنت رجل والرجال لا يبكون ولكن عزمهم عزم الأباة وقدوتهم علي وخالد وصلاح الدين رحمهم الله أجمعين.

والحمد لله الهادي للصواب، الموفق للخير والإصلاح.

 

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة