جُبِلت النساء على حبِّ الزينة، مذ نعومة أظفارهن، وحتى هرمهن، فنرى الطفلة الصغيرة دائمًا تميل للتزين بشتى أنواع الزينة، وكذلك الفتاة (الشابة) تميل للتجمل والتحلي، وكلما كبرت ازدادت رغبتها بالتزين بأبهى أنواع الأساور، والعطور، وطلاء الأظافر، وصبغات الشعر، والكحل والمكياج و…، إلى آخره.
فالزينة أنواع كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ بل حتى الجدات يُحببن الزينة إن لم يكن لأنفسهن فلِبناتهن وحفيداتهن، نراهن يُكثرن من شراء الأساور ويلفت انتباههن كل من تتفنن وتجتهد وتنوِّع في ذلك، سواء في اختلاف نوع وشكل الزينة المستخدمة أو في لونها. وتختلف رغبة المرأة حسب عمرها، وميلها ورغبتها في ذلك، فهذا واضح في النساء ولا ريب فيه، فلا هُراء في ذلك ولا انتكاس، ولا عيب ولا نقص، ولا ضعف ولا سخرية، ومما لا شك فيه أن هذه الفِطرة في النساء عامة، وليست منحصرة في النساء الكافرات أو المغنيات والراقصات أو المتبرجات منهن!
بل النساء كلهن يُحببن الزينة بشتى أنواعها، بغض النظر عن ديانتهن أو اختلاف لهجاتهن وبلدانهن.
وهنا وقفة تساؤل و تأمُّل!
إذاً، لماذا المغنيّات الكافرات، والفاسقات المشهورات، وصاحبات الفجور؛ دائمًا متجملات ومتعطرات، ونراهن بأبهى حُلة و أجمل صورة، بينما المسلمات دائمًا ملتفات بجلابيبهن، غير متعطرات أو متزينات مثلهن؟
مما يوقع في النفس الضعيفة أن صاحبات التبرج والفجور، لهن قيمة ومكانة رفيعة! فهنَّ دومًا يُلفتن الأنظار، ويخطفن القلوب برقتهن وجمالهن.
عجبًا، أن يكون هذا تفكير امرئ مسلم عاقل سليم العقيدة والفِطرة.فيُقال: هل الإسلام حرمهن من التزيُّن؟ أم أن فطرتهن منتكسة؟ أم هنَّ مكتئبات دومًا؟
أولاً: نقول بقلوب مطمئنة ونفوس راضية بالله ربًّا، وبشريعة الإسلام دينًا، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا؛ أن ديننا الحنيف لم يحرِّم الزينة على المرأة، أو يمنعها منعاً باتَّا من التزيُّن، ومن قال بهذا فقدِ افترى كذبًا على الدين! وإنما شريعتنا وضعت لنا حدود وضوابط للزينة، وحرَّمت علينا كل ما يؤذي منها أو يُغيِّر في الخِلقة.
فالزينة في نفسها مباحة، إلا أن يكون الشرع قد صرَّح بحرمة بعضها مما فيه أذى أو غير ذلك، كالوشم مثلًا والنمص وتفليج الأسنان، وعمليات التجميل وغيرها.
عَنْ عبدِ اللَّهِ قالَ: لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ والمُوتَشِمَاتِ، والمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ.
فكيف تُخلق المرأة مُحبة للتجمل والتجميل، وتمنع من ذلك منعًا باتًّا؟
ثانيًا: وكما جُبلت المرأة على حب الزينة، كذلك جُبلت على شدة الحياء، فحياء المرأة فِطرة، وإنما الانتكاس في نزع الحياء وليس في إخفاء الزينة عن أنظار الرجال، ومن سلامة الفطرة أن يمنعها حياؤها من التجمل بما لا يليق سواء بزمان أو مكان.
وإنما النساء المسلمات الملتزمات نراهن متدثرات باللباس الساتر؛ لأنهن كالجواهر في الإسلام، فالجواهر لا ينظرُ إليها إلا مستحقيها، ولا يمسها إلا أصحابها.
ولأنهن أُمرن بالستر فأطعن الله ورسوله، قال تعالى
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} وأمرن بإخفاء زينتهن فقلن سمعنا وأطعنا، قال تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.
قال ابن مسعود: (هو ما يبدو من الثياب)، فتلبس عباءتها فما يظهر من حذائها أو يظهر من أسافل ثيابها فإن ذلك أمر لا تستطيع أن تستره، كذلك هذه العباءة هي من الثياب، ولكن لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون هذه العباءة زينة وفتنة؛ لضيقها، أو كونها شفافة، أو مزينة، أو توضع على الكتف أو نحو ذلك مما يبدي المرأة أكثر أناقة وجاذبية أمام نظر الرجال، فهذا لا يجوز.
ومما انتشر بين المجتمعات الإسلامية، أنه إن همَّت الفتاة بالخروج للشارع، أو جاءها خاطب، قيل لها لا تنسي رشة عطر وقليل من المكياج.
سبحان الله! رشة العطر هذه تخلع قلوب من سمِع وتفكر وفقِهَ قول الحبيب قال ﷺ: “أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية”، الله أكبر!
هذه ليست أقاويل اناسٍ عابرة؛ بل هذا قول أغير البشر الذي لا ينطق عن الهوى، ينهى المرأة عن خروجها من المنزل متعطرة!
يُخيل للعاقل بأنه يقولها بصوت عالٍ ونبرة حادة، ظاهراً في حديثه الغيرة على نساء أمته، يقولها بهذا اللفظ وهذه الطريقة، لشناعة هذا الفعل وتأثيره في قلوب الرجال.
بينما مجتمعاتنا بهذا الحد من التساهل والاستهتار، وتهوين المحرمات، رشة عطر فقط، ويا ليتها حقًا رشَّة؛ بل نشاهد من تكاد تستحم بالطيب عند خروجها للشارع، وتضع المكياج والمساحيق المختلفة، ناهيك عن التبرج الذي ليس من شيَم الغيارى، وأصحاب المروءة والحياء؛ فتوقع نفسها بالمهالك، وتعرضها للطرد من رحمة الله، ولماذا؟ بدعوى العادات والتقاليد، أو لئلا يقال بأنها مكتئبة ولا تلتفت للموضة والتحضر، أو لئلا يُقال كذا وكذا.
فاتقِ الله في نفسكِ يا أمة الله، ويا أيها الآباء والأمهات، اتقوا الله في بناتكن ونسائكن، الله الله في الغيرة على محارمكن. فلا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله، أن تتزين بأبسط أنواع الزينة لغير محارمها أو تمس الطيب حين خروجها للشارع، فهذا حرامٌ بيّن.
بالله عليكم، أعيدوا للنساء حيائهن وسلامة فِطرتهن.