سلسلة تصحيح مفاهيم:الاختلاط وقود التبرج

سلسلة تصحيح مفاهيم الاختلاط وقود التبرج

إن اجتماع النساء والرجال الأجانب (غير المحارم) في مكان واحد، ودخول بعضهم على بعض، والمزاحمة، والتدافع الحاصل في المنتديات، والحدائق، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات، واختلاط وتلاصق الجنسين في حفلات التخرج، وجلوسهم أمام بعضهم على المسارح، والتزاحم في الأسواق وغيرها…؛ مما عمّت به البلوى في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

وكل هذا من الاختلاط الذي حرمته الشريعة الإسلامية، مما يحصل خلاله الكثير من المخالفات والمعاصي ضمن هذه الجموع الغفيرة، والاختلاط بشتى وسائله، واختلاف زمانه ومكانه، يسبب ثوران الشهوات، واندلاع الفِتن، وهذا واقع مُشاهد، شاء من شاء، وأبى من أبى، وهذا لا شك مما يدعو ضِعاف القلوب، والنفوس، للولوج في الفواحش والمنكرات.

إنما لو تفكرنا في كل أمر يهوي بالمجتمع إلى المهالك والمساوئ؛ لأبصرنا أن الشريعة تنهى عن الاقتراب منه، وتحرم الوسائل الموصلة إليه؛ فإنما الاختلاط حرمه الله ورسوله؛ لأنه سبب لسقوط المرء في الفواحش والآثام.

والأدلة على تحريم الاختلاط في الكتاب والسنّة كثيرة ومنها:
قوله سبحانه : 

{وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}. 

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب.

وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرّجال بالنساء حتى في أحبّ بقاع الأرض إلى الله وهي المساجد، وقام بفصل صفوف النّساء عن الرّجال، والمكث بعد السلام حتى ينصرف النساء، وتخصيص باب خاص في المسجد للنساء. عن أم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ”

ومن الأمور التي تغيب عن أذهان البعض، أن الاختلاط يقوِّي ويشجع على التبرج؛ إذ أن النساء بطبيعتهن يحببن التجمل والظهور، وسماع كلمات الثناء والإطراء، فنرى الفتاة لا تهتم كثيراً بأناقتها ولباسها، كما تهتم بذلك لو كانت في جلسة مختلطة مع الرجال، كما نراها أيضاً تتجمل لجموع الاختلاط والشوارع، فعندما نوقف الاختلاط في كل مكان، بداية من منازلنا واجتماعاتنا الأسرية، وانتهاءً بالمساجد وأماكن التخرج؛ مما لا شك فيه أنه سيتقلص عدد المتبرجات شيئاً فشيئاً، ولا ننسى أن نعالج الأمر بالستر. 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سَيَكُونُ آخِرُ أُمَّتِي نِسَاءً كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ”. قال ابن عبد البر: “أَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ فَإِنَّهُ أَرَادَ اللَّوَاتِي يَلْبَسْنَ مِنَ الثِّيَابِ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ الَّذِي يَصِفُ وَلَا يَسْتُرُ فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ بِالِاسْمِ عَارِيَاتٌ بالمعنى.

فكذلك من الآفات التي أصابت مجتمعنا الإسلامي بكثرة، هي انتشار التبرج، واستهتار المرأة في اللباس الفاضح، سواء في شكله وهيئته، أو في ضيقه وعدم ستره، ذاك اللباس الكاسي ادعاءً، العاري حقيقةً. لم نعِ قوله صلى الله عليه وسلم: “الكاسيات العاريات”؛ إلا عندما انتكست المجتمعات الإسلامية، وأُشربت قلوبهم بالأفكار الشهوانية بدعوى الحرية والتحرير، وتخلَّلت مبادئهم، وينسبونها للعادات ولا علاقة للدين بالأمر؛ فأصبحنا نرى الكاسيات العاريات عياناً، فيا له من وصفٍ دقيق، إذ أنهن مستترات قولاً، عارياتٌ معنىً.

ذاك الفعل (التبرج) الذي يرفضه ديننا الحنيف، ولا ينتمي للإسلام بتاتاً؛ مرض عُضال أصاب نسائنا، وإن لم نكافحه بالستر، يكاد يهتك بالمجتمع حتى يُرديه أسير الشهوات، غير مبالٍ بالحرمات! فالله الله يا أمة الإسلام باتباع الدين الحق، والعمل بما أمرنا الشرع دون إفراط أو تفريط. فلنكن عوناً في مكافحة تلك الأفكار، باستبدالها بالفكر الإسلامي والاعتزاز بهويتنا ومبادئنا الإسلامية التي تكاد تنقرض، فيوم القيامة كلٌ سيحاسب على عمله، ولن ينفعكم الغرب ولا أفكاره وادعاءاته:

 {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}.

قال السدي: ترفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أطاعوا الله تعالى، ثم تقسم بين المؤمنين فذلك حين يندمون، وأضيفت هذه الأعمال إليهم من حيث هم مأمورون بها، وأما إضافة الأعمال الفاسدة إليهم فمن حيث عملوه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (وقد كان من سنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وسنة خلفائه التمييز بين الرجال والنساء …؛ لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة؛ فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب).
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: (وَلِيَّ الْأَمْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ اخْتِلَاطَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَالْفُرَجِ، وَمَجَامِعِ الرِّجَالِ … وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ مُتَزَيِّنَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ، وَمَنْعُهُنَّ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي يَكُنَّ بِهَا كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ، كَالثِّيَابِ الْوَاسِعَةِ وَالرِّقَاقِ، وَمَنْعُهُنَّ مِنْ حَدِيثِ الرِّجَالِ، فِي الطُّرُقَاتِ، وَمَنْعُ الرِّجَالِ مِنْ ذَلِكَ).

فيا لها من حسرة وندامة حين نفرّط ونستهين! فهلا نستفيق من غفلتنا يا أمتي؟

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة