الشخصية الاستبدادية صعب التعامل معها، ذميمة لحد لا يوصف، كيف لا وصاحب هذه الشخصية يرى نفسه فوق الجميع، يستحق وساماً ذهبياً وربما يليق به أكثر!
متسلطاً بآرائه، لا يقبل النقد، وتراهُ كثير الانتقاد، متجبراً بأسلوبه، وتراه أضيق الناس خُلقاً وأخلاقاً، يحب إكراه الناس، وإجبارهم للثناء عليه ليلاً ونهاراً، لمجرد أنه قدَّم شربة ماء بفظاظة، وتراه لا يُحب أن يُثني على أحد مهما قدَّم إليه، أو يكره الثناء لغيره؛ فهو الوحيد المستحق للثناء، يتهم أعين الناس بالحسد، وفي قلبه حقد دفين لكل أحد، يرى في همسه وخياله صدقاً، والناس من حوله تتكلم كذباً وبهتاناً.
عجباً لصاحب هذه الشخصية العفنة! ترى في نفسه وأخلاقه عجباً عُجاب، كل خلقٍ ذميم يجتمع فيه، ويظن نفسه كاملاً متكاملاً. من تظن نفسك؟ أنبيٌّ أنتَ؟ وحاشا الأنبياء والمرسلين من أخلاقك. أم غرَّتك صلاتكَ الخالية من الخشوع! وحاشا الرُكّع الخُشَّع من الغرور. أم أنك ملكاً عظيماً، وتنزهتِ الملائكة من كبريائك؟
اعرف نفسك جيداً يا هذا.
مم خُلقت؟ قال تعالى:
{فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب}،
فليتفكر كل امرئ في هذه الآيات قبل أن يرفع أنفه ويتعاظم شأنه. الشخصية الاستبدادية نبذة مصغرة عن الحكم الاستبدادي؛ إذ يحكم باستبداد وتسلط، فلا مانع عنده من نهب ثروات الشعوب بشتى الوسائل، يُرغم الجميع على الذل والهوان على حساب تجبره وطغيانه. وكما قال عبد الرحمن الكواكبي: (الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحق فاجر، وتارك حقه مطيع).
الاستبداد حيثما حل، ينشر الفقرَ، والضنك، والذل، والهوان، والضعف، وضيق الحال، وعدم الأمان، وتسلط القوي على الضعيف، وبالتالي من السهل على القوى الكبرى أن تتحكم في هذا البلد أو ذاك؛ فالقوى الكبرى تستطيع عن طريق دعمها للمستبد أن تنهب ثروات شعبه الذي يكتوي بنار الغلاء والضرائب والفساد.
فحريٌّ بالحرِّ الأبي أن يستنكر ويقف بوجه الحاكم المستبد؛ بل يتحاشى أن يكون شخصًا استبداديًّا، مهما علا شأنه وقدره بين الناس، وكذلك الشخصية المستبدة، تشمئز منها النفوس السليمة، والعقول الراشدة؛ فكم من حولنا أناسٌ مستبدون لا يتركون للود مكان، ولا للتفاهم مجال! فلا بارك الله بكل حكم يعلوه الظلم والاستبداد، ولا بارك الله بالنفس المتسلطة والشخصية المتجبرة المتخفية بلباس الشريعة.