يجول في خاطر الغالبية أن صاحب/ة العلم الشرعي سواء قل أو كثر، هو شخصية مهذبة، خلوقة، متدينة، متواضعة، كريمة، ذات حياء عالي! صدِّيقة، خالية من كل عيب، ومعصية، ورذيلة، وهلم جراً بالصفات الكمالية التي ربما لا حقيقة لها البتة!
دعونا نواجه حقيقة واقعنا دون مبالغة، لو بحثنا في أخلاق الكثير من طلبة العلم وحفاظ الأحاديث والقرآن، خاصة في التعامل مع أهليهم وذويهم؛ لرأينا الفواجع، لصدمنا حقاً!
هذه التخيلات التي نلبسها لهذا الطالب/ة، أو المعلم/ة، ظلم وغلو! وكأننا ندعي لهم العصمة، ونزينهم بما لم يملكوا؛ بل ونثبت لهم أنهم قدوة مهما كانوا على خطأ، وعجباً لأمرنا كيف نحكم ادعاءً دون علم؟
عن ابْن عَبَّاسٍ أن النّبِي صَلّى اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ” صححه الألباني.
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المبالغة بـ”الذبح”؛ لما فيها من الهلاك للممدوح. فعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ”.
لقد كثر في زماننا حفظة القرآن وطلبة العلم والمعلمين؛ ولكن قل العاملين للدين، المتخلقين بأخلاق القرآن، المتجملين بأدب التعليم! لا بل وأصبح التفاخر سراً وعلانية، حتى وصل الأمر بالبعض أنه يتجرأ على والديه بالصراخ إن وجَّهوا إليه أي كلمة تهدم جبروته، وتقلل من شأنه؛ فهو العابد الزاهد المستحق للاحترام والثناء، لا يمكن أن يهان لا من كبير ولا صغير، أو عدو أو صديق، سواء من محب أو مبغض.
يكاد يندثر ذاك الذي يخاف على نفسه الرياء والسمعة، مما حمل في قلبه من العلم، وهم التعليم، ذاك الذي يعتزل الناس مخافة الإفراط في مدحه، قلبه يرتجف حينما يوجَّه إليه شيئاً من المديح؟
إننا لما بالغنا بالمديح؛ جرأنا الكثير على التمادي باسم الشريعة، ونشأ في المجتمع وباء التعالي، وإعطاء النفس أكثر مما تستحق، والسبب؟ الغلو والافراط في الثناء.
أعيذ نفسي أولاً، وأعيذكم من التباهي والكبرياء باسم الشريعة. العلم بحرٌ لا شاطئ له؛ فلو اغترف أحدنا بدلوه، وسقى من حوله؛ أسميناه نهراً جارياً!
فلنعطي كل ذي حقٍ حقه، ولا نزيد أو ننقص. أنا لا أقول أن نسيء الظن؛ بل ألا نبالغ في تصور الكمال لمجرد أن فلان/ة طلب العلم. وعلى من أكرمه الله بطلب العلم أو بحفظ كتابه، ألا يتعاظم أمام الناس، حباً في الظهور؛ فيخشى أنه قد أشرك.
وقد حَذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه مِن كُلِّ ما يُبطِلُ أجْرَ الأعمالِ، ومِن ذلك: طَلَبُ الرِّياءِ بالأعمالِ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي مَعقِلُ بنُ يَسارٍ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لِأبي بَكرٍ: “يا أبا بَكرٍ، لَلشِّركُ فيكم أخْفَى مِن دَبيبِ النَّملِ”، وهذا يَدُلُّ على أنَّ الإنسانَ قد يَخرُجُ مِنَ الإيمانِ إلى الكُفرِ أو الشِّركِ وهو لا يَشعُرُ.
ولا يغيب عنك دعاء من خاف الشرك، وردد دائماً: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم).