أنا لله، ولستُ لما يصنعه الناس من تسميات وانتماءات. لست من هؤلاء، ولا أولئك، ولا أُحمّل نفسي اسمًا ما أنزل الله به من سلطان، فأنا عبد لله وحده، خُلقت لأجل عبادته، لا لاتباع رايات الناس، ولا لمسايرة ما يرتضونه لأنفسهم.
أنا عبدٌ لله، فلا تطلب لي اسمًا آخر. لست أنتمي إلى ما يصنعه الناس من شعارات أو ألوان، ولا إلى راياتٍ تتبدّل في مهب المصالح؛ إنما أنا عبد لله، عبودية ليست شعارًا أرفعه؛ بل حقيقة أعيشها وأموت عليها.
خلقني ربي لا لهوًا ولا عبثًا؛ بل لغايةٍ عظيمة: أن أعبده كما أمر، وأستقيم على هداه كما سار نبيه، لا كما يشتهي الناس، ولا كما ترضاه المجالس والأهواء.
حريتي ليست في أن أفعل ما أشاء؛ بل في أن أقف حيث أمر الله، وأمتنع حيث نهى، فلا سلطان في قلبي لأحدٍ سواه، ولا حاكم على ضميري إلا ما أنزل من وحيه.
أنا لله في قراري، وفي اختياري، وفي رفضي، وفي قبولي، أنا حرٌّ حين أُقيم ما أمرني به ربي، ولو سخر مني العالم، أنا عزيز حين أنكر المنكر في قلبي، ولو استضعفني القريب والبعيد.
لا أطلب رضا الناس إن أغضب ربي، ولا أسايرهم إن خالفوا وحيه، فالدنيا تمضي، والناس يتبدّلون، والمواقف تتقلب؛ لكن الحق لا يتبدل، والقرآن لا يتغير، وسنة النبي لا تبهت.
فإن اتهموني بالتشدد؛ فحسبي أنني أقف على صراطٍ مستقيم، وإن قالوا عني غريب؛ فالغربة في الحق شرفٌ لا خزي، وإن خذلني من حولي؛ فالله يكفيني، ومن كان الله معه؛ فماذا فقد؟
لسنا أوائل هذا الطريق، قد سار عليه آباؤنا الأولون، وسنسير عليه حتى نلقاه، فالغاية واحدة، والسبيل واحدة، والمصير إلى الله.
أنا عبدٌ لله، هذا يكفيني، وهذا يحررني من كل قيدٍ، ويقيم قلبي على صراط لا يزيغ، ولا يحني رأسه لغير الله.
أنا عبد لله، لا أطلب اسمي في المجالس؛ بل مقامي عند الله. لا يعنيني من سبقني إلى المنابر، ولا من كُتب اسمه في أعين الناس، ولا من علَت له الأصوات، إن كانت القلوب خاوية من التوجه إليه، والوجوه قد أعرضت عن نوره.
أنا عبد لله، لا يُغويني الثناء، ولا يُحزنني الجفاء، فإن النية تعرف صاحبها، والعمل يزِن أهله، والله لا تخفى عليه خافية.
سأبقى أرفض أن أكون تابعًا لعناوين الناس، إن خالفوا أمر الله، وسأُبقي قلبي حيًا بالولاء له، وإن كثرت الأقنعة والادعاءات. من الناس من يطلب لنفسه مأوى في تصفيق الخلق، وأنا أطلب مأواي في ركنٍ شديد، لا تهدمه تقلبات الدنيا.
وإن سألني سائل: من أنت؟
قلت: أنا عبدٌ لله، طريقي ما رسمه القرآن، وموقفي ما أمر به رسول الله، لا يزيدني سكوت الناس عن الحق إلا يقينًا، ولا يخيفني تكاثر الباطل حولي، فالصراط المستقيم لا يزدحم عليه كثير.
أنا لله في لحظتي هذه، لا أُراوغ، ولا أساوم، ولا أبيع هدوء قلبي بثمن زائل، لأن الذي يراك في ضعفك وصمتك، هو الذي يُقيمك إذا خذلك الناس.
الصبر على الطريق عبادة، والثبات في الفتنة شهادة، والسكينة وقت التناقض منحة من الله لعباده المخلصين.
فلا تعجب إن رأيتني ساكنًا حين تضطرب الوجوه، صامدًا حين تُكسر الرايات، لأن في قلبي نورًا لا يُطفئه بشر، ووجهة لا يُضلها ازدحام الأصوات.
أنا لله، وإليه أنتمي، وبه أستقيم، وعلى أمره أعيش وألقى مصيري. خلَقني لا لهوًا؛ بل لحكمةٍ سامية، وغرس في قلبي يقينًا أن العبودية له وحده شرف لا يُدانى، وحرية لا تعلوها حرية.
أنا حر، لا بما يقوله الناس؛ بل بحقي أن أقيم ما أمر الله ورسوله به، سواء رضي الناس أم أبوا، فهم لا يملكون قلبي، ولا يملكون يومي وغدي، ولا يملكون موتي ولا حياتي.
هذه الأرض لله، وهذا الكون ملكه، فكيف أُسلم أمري لغير شرعه؟ وكيف أرتضي لحياتي حكمًا سواه؟ لا مشيئة تعلو على مشيئته، ولا قول يُقدَّم على أمره، ولا سلطة في قلبي لغيره.
نحن، وآباؤنا الأولون، خلقنا لنعبده، وسنمضي إليه كما جئنا منه، عُراةً من كل لقبٍ إلا “عبد لله”، فطوبى لمن ثبت على تلك الهوية، ولم يبدّل.
ليست الغاية أن يفهمك الناس؛ بل أن يُرضى عنك مولاك، ولا يُقاس الثبات بكثرة المصفقين؛ بل بأن تظل واقفًا لله حتى لو كان زحفًا، وإن مشى الناس كلهم في طريقٍ غير طريقه.
وإن لم يبق في خطاي إلا زحفٌ؛ فلن أترك الطريق. سأظل أسير، ولو انقطعت بي السبل، ولو ضاقت الدنيا وتكاثفت الظلمة، سأزحف على قلبي قبل قدمي، ما دام الحق أمامي، وما دام الله غايتي.
فليس في قلبي تراجع، ولو بقيت وحدي، وليس في صدري مكان لندمٍ على موقفٍ خالف الناس فيه أمري ما دمت أعلم أنني أطعت ربي.
إن سقطت؛ فسأنهض، وإن أبطأت؛ فلن أُبدّل، وإن لم أبقَ إلا زاحفًا؛ سأسير إليه، فالطريق إلى الله لا يُقاس بسرعة السير؛ بل بثبات الوجهة.
فالركب قد يضعف، والرفقة قد تفتر؛ لكن من عرف الله، لا يستوحش من الطريق، ولو زحف وحده.