إن مثل المحاربين لفريضة الحج، كمثل رجل ابتنى بيتاً، فأسسه وجعل له أربعة أعمدة أساسية تحمل البناء، وبعدما اكتمل البناء وتم، عمد أحد سكانه إلى هدم عمود منهم! فهل يتركه أصحاب البيت وسكانه؟
يقولون لا بد من مقاطعة الحج رفضاً للظلم والبغي، يستندون على معطيات واهية لا يقويها في أعينهم إلا أهواؤهم دون استناد لدين ولا لعقل ولا لمنطق ولا حتى لإحصائية دقيقة!
حجتهم أن أموال الحج تذهب لمن يقتل إخواننا! ومن عارضهم، قالوا أحضر لنا دليلاً يقنعنا، وهيهات أن يقتنع صاحب الهوى بأي دليل؛ لكن هذه كلمة لباحث عن حق بحق، عل أحدهم ينتفع بها!
تطلبون الدليل! بل أنتم المطالبون بالدليل، أحضروا دليلا على ادعائكم، أن أموال الحج بالذات، هي التي تذهب للمجرمين، أحضروا إحصاءات وبيانات رسمية دقيقة، غير ذلك يكون كل كلامكم عبارة عن ظنون وشك! فهل يغني الشك عن الحق؟
القاعدة الشرعية تقول: اليقين لا يزول بالشك! فهل تحرمون على الناس حج بيت الله الحرام، وتصدون عن المسجد الحرام، وتهدمون ركن من أركان الإسلام لمجرد مظنة دفع مفسدة متوهمة، أو جلب مصلحة متوهمة! أي عقل قد يقول بهذا؟
حتى هذا الشك الذي لا يندفع به اليقين والحق، ألا يرده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى سَارِقٍ فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدَيْ زَانِيَةٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ علَى زَانِيَةٍ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدَيْ غَنِيٍّ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى غَنِيٍّ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى سَارِقٍ وعلَى زَانِيَةٍ وعلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فقِيلَ له: أَمَّا صَدَقَتُكَ علَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عن سَرِقَتِهِ، وأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عن زِنَاهَا، وأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فيُنْفِقُ ممَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ” صحيح البخاري.
الرجل أخرج صدقته، ولم يمنعه وقوعه في غير أهلها بأن تقبل ويُكتب له أجرها؛ بل لعل أجره كان مضاعف.
فلعل مسلم عاجز صادق يدعو الله عز وجل دعاء خالصاً لوجهه في موطن من آكد مواطن الإجابة، فيستجيب الله عز وجل له وينفع بدعوته تلك، ما لم ينتفع به المسلمون من جعجعة هؤلاء وخلطهم الحق بالباطل!
ضيوف الرحمن هؤلاء الذين تتندرون بهم بقول غثاء، لم يردعكم وقوفهم في بيت الله وفي ضيافته، من الانتقاص منهم، ولم تحفظوا حتى حق البيت وصاحبه الذي هم ضيوفه.
لو أن أحدهم مهما بلغ من السوء دخل منزل رجل منكم، فحشمة للبيت وصاحبه يُحترم حتى يخرج منه!
ولله المثل الأعلى، تطاولتم على ضيوفه وهم يلبون أمره وهو يباهي بهم ملائكته، أي خذلان هذا!
كنا بالأمس القريب، كلما أقبل موسم الحج، تهيأنا للدفاع عن ركن الإسلام ضد أعدائه ومبغضيه، هؤلاء الذين يتفنون كل عام بشبهة ما لمحاولة صد الناس عن البيت الحرام وإتمام أركان دينهم، الآن نحن نحاول صد رجال من جلدتنا يتحدثون بلساننا وكلامنا، ادعوا زوراً الإصلاح ونشر الوعي، وهم يحاربون شعائرنا، فماذا تركتم لأعداء الإسلام؟
ننتظركم غداً في النهي عن الصلاة، بحجة أننا غثاء لا نستحق الوقوف بين يدي الله عز وجل!
فهل يشفي صدوركم رؤيتة البيت خالياً؟ نعوذ بالله من الخزي والخذلان، ونعوذ بالله من شر أنفسنا ومن شر الشيطان وشركه وأن نقترف على أنفسنا سوءاً أو نجره إلى مسلم، اللهم لا تستبدلنا واستعملنا يا رب.