رسالة اعتذار من العروبة إلى فلسطين الشريفة

|

إلى أرض فلسطين الشريفة، يا مهبطَ الأنبياءِ، ويا قبلةَ الأحرار.
من قلبِ العروبةِ المُنهك، ومن وجدانٍ مثقلٍ بالخجلِ والعجز، أبعثُ إليكِ هذه الكلمات التي تتراقصُ على شفاهِ الحزن وتُسطَّرُ بمدادِ الندم. كيف لي أن أكتبَ إليكِ، وأنتِ تنزفينَ كلَّ يومٍ دماءً زكية، وأنتِ تُعلنين الصمود في وجهِ قوى البغي وحدكِ؟

يا فلسطين، يا قطعةً من روحي، ويا نبضًا لا يتوقفُ في جسدي، إنَّ العروبة اليوم تعتذرُ إليكِ، اعتذار المُحبِّ الخجول، والمُتخاذلِ الموجوع. اعتذرُ لأنَّني أراكِ تُذبحينَ صباحَ مساء، وأنا هنا أقفُ عاجزةً عن مدِّ يدِ العون الحقيقية. اعتذرُ لأنَّ أطفالكِ ينامونَ على صوتِ القصفِ ويستيقظونَ على فزعِ الموت، وأطفالنا هنا ينعمونَ بالدفءِ والأمانِ المُزيَّف.

قد غابت عنّا النخوةُ التي عرفها الأجداد، وتسللتْ إلى صفوفِنا روحُ التفرقة والوهن. تشرذمَت قوافلُنا، وتصدّعت حصونُنا، وباتَ صوتُ الحقِّ خافتًا لا يكادُ يُسمع. لقد غدت أمانينا كلمات تُردّدُها الشفاه، لا أفعالًا تُترجمُها سواعدُ الرجال. يا ويحَ قلبي! على ما آلت إليهِ حالي، ويا حسرتاه على أمجادٍ تليدةٍ صارت حلمًا بعيدًا!

أعلمُ أنَّ كلمات الاعتذار لا تُعيدُ شهيدًا، ولا تُداوي جريحًا، ولا تُطعمُ جائعًا. لكنَّها على الأقلِّ تعبيرٌ صادقٌ عن وجعٍ يُكابدُهُ قلبُ العروبة لأجلِكِ. أرى عينيَّكِ الدامعتين في كلِّ طفلٍ يتيم، وأسمعُ أنينَكِ في كلِّ أمٍّ ثكلى، وأحسُّ وجعَكِ في كلِّ حجرٍ يُقلع من أرضِكِ.

يا زهرةَ المدائن التي تذبلُ ببطءٍ تحتَ وطأةِ الظلم، ويا قدسَ الأقداسِ التي تُدنّسُ صباحَ مساء، أقسمُ لكِ أنَّ روحَكِ لا تزالُ تُشعلُ فينا بقيةً من نارِ الغيرة، وأنَّ صمودَكِ الأسطوريَّ هو الشمعةُ الوحيدةُ التي تُنيرُ عتمتَنا. رغمَ العجزِ الذي يُقيّدُ أيدينا، فإنَّ قلوبَنا لم تكفَّ عن الدعاءِ لكِ، وعن الأملِ في يومٍ قريبٍ تشرقُ فيهِ شمسُ حريتِكِ.

سامحيني يا فلسطين، سامحيني على كلِّ لحظةِ صمتٍ، وعلى كلِّ يدٍ لم تُمدّ، وعلى كلِّ قلبٍ خذلَكِ. كوني على ثقةٍ بأنَّ الأمةَ وإن بدت اليومَ مُتخاذلةً، فإنَّ بداخلها روحًا ستنتفضُ يومًا، ولن يهدأَ لها بالٌ حتى تستعيدَ مجدَها وتُحرّرَ أرضَها ومقدّساتها.

إلى أن يأتيَ ذلك اليوم، أبقي قويةً صامدةً، فأنتِ البوصلةُ التي تُشيرُ إلى طريقِ العودة، وأنتِ الأملُ الذي لا يموتُ في قلوبِ الملايين.

بقلبٍ مُتألمٍ ونفسٍ لوّعتها الحسرة،
العروبةُ الموجوعة.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة