من جوفِ الأمّة الإسلاميّة التي ما زالت تُحاول أن تلملمَ أشلاءها، من بين أنينِ الثكالى وصراخ الأطفال ودموع الشيوخ، تُبعثُ إليكم هذهِ الرسالة التي خطَّتْها يدُ الوجع ونقشتها آياتُ الحسرة. وهي ليست كلمات تُسطَّرُ على وريقات، بل هي دماءٌ تجري في عروقِ مُحبٍّ غيورٍ على دينِهِ وأمّتِه.
يا حُكّامَ العرب، ويا ورثةَ الأمجاد الغابرة، أين أنتم منَّا اليوم؟ وأين نحنُ منَّا بالأمسِ القريب؟ تذكروا عهدَ القومِ الأوائل، عهدَ الصحابةِ الكرامِ -رضيَ اللهُ عنهم-، حين كان الإسلامُ يطوي الأرضَ رايتَهُ، والقرآنُ يصدحُ في الآفاقِ دعوتَهُ. كان للمسلمين في كلِّ أفقٍ نصرٌ، وفي كلِّ أرضٍ عزٌّ، وفي كلِّ قلبٍ مهابة. كان دين الله هو سيدَ الأحكام، والعدلُ هو قوامَ المُلك، والشورى هي أساس الرأي. فُتحت الأمصارُ بجيوشٍ لا تُقهرُ إلا بإيمانٍ أشدَّ منها، وسُطِّرتْ صفحاتُ التاريخِ بمدادِ الفخرِ والانتصار. كانت الأمةُ كالبنيانِ المرصوصِ يشدُّ بعضُهُ بعضًا، وكان صوتُ الحقِّ أعلى من كلِّ الأصوات.
فما الذي حلَّ بنا اليوم يا حُماةَ العروش؟ وأين ذاك العزُّ الذي كان يكسونا؟ وأين تلك الروح التي كانت تسري في عروقِنا؟ لقد تفرَّقتْ بنا السبل، وتصدّعتْ جدرانُ الوحدة، وغدا كلُّ واحدٍ منَّا في وادٍ، والعدوُّ يتربَّصُ بنا من كلِّ حدبٍ وصوب. صار دينُنا غريبًا في أوطانِنا، وشُرِّعَ لغيرِ شريعةِ اللهِ حكمًا، واستُبدلَ الحقُّ بالباطلِ في كثيرٍ من الأمور.
يا حكامَ العرب، انظروا إلى حالِ أمتِكم اليوم! كيفَ تتمزّقُ أوصالًا، وتُنهبُ خيراتُها جهارًا نهارًا، ويُقتلُ أبناؤها وتُشرَّدُ نساؤها، ويُهانُ دينُها في عقرِ دارها! لقد أصبحَ الفسادُ مُتفشيًا كالوباء، والضياعُ يعمُّ النفوس، وصارَ الجهلُ والخوفُ سيّدا الموقف. أين نخوةُ العرب التي كانت تُرعبُ الأعداء؟ وأينَ غيرةُ المُسلمين التي كانت تحمي الحرمات؟
لقد استُبيحتْ مقدّساتُنا، وتُلوثتْ أرضُنا، وسُفكتْ دماؤنا بغيرِ حقٍّ. تُرى هل غابَ عنكم أنَّ الإسلامَ دينُ عزَّةٍ وكرامةٍ، وأنَّ المسلمين لا يُمكنُ أنْ يقبلوا الذلَّ والهوان؟ أتغضّونَ الطرفَ عن طغيانٍ يزدادُ، وعن ظلمٍ لا ينتهي، وعن ضعفٍ يُخيّمُ على كيانِ الأمّة؟
إنَّ الأمّة اليوم تنظرُ إليكم بعينِ الرجاءِ المُتعب، وتُناشدُكم بلسانِ الصدقِ المُتألم: عودوا إلى رشدِكم، استمعوا إلى نبضِ شعوبكم، تمسّكوا بحبلِ الله المتين، واجعلوا كتابَ الله وسنّةَ رسولهِ مرجعَكم وحُكمَكم. ارفعوا رايةَ العدل، ووحدوا الصفوف، واجمعوا الشمل، وتصالحوا على ما يرضي الله ورسولَه.
إنَّ نصرَ الله قريبٌ لمن نصره، وإنَّ العزَّةَ لله ولرسولِهِ وللمؤمنين، ولكنَّها لا تأتي إلا بالعملِ الصالحِ والنيةِ الصادقةِ والتضحيةِ والفداء. فهل أنتم فاعلون؟ وهل أنتم مُستجيبونَ لنداءِ أمتِكم المُتألّمة؟
يا حُكّامَ العرب، واللّٰهُ سائلُكم عن رعيتِكم يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون. فاجعلوا هذا اليومَ نصبَ أعينِكم، واعلموا أنَّ الأمّة
لن تنسى من خذلها، ولن تنسى من وقفَ معها في محنتها.
والسلامُ على من اتّبعَ الهُدى.










