أيا بُني، أيا قطعةً مني ومهجةَ روحي، ويا وميضَ الأمل في عتمةِ أيامي، اسمع وصيةَ قلبٍ ذاقَ مرَّ الأيامِ وحلوها، وعاينَ تقلّب الدهر بين بأسٍ ورخاء: لا تغترَّ بزينةِ الدنيا الزائلة، ولا تفتنَنَّكَ بهارجُها الكاذبة، فما هي إلا ظلٌّ عابر، ومتاعٌ زائِل، وما عند الله خيرٌ وأبقى لمن عقلَ واعتبر.
أيا بُني، اجعل تقوى الله زادكَ، وخوفَه لجامكَ، ورجاءَه أنيسَكَ. فبذلك تُفتحُ لكَ أبواب الخير، وبذلك تُصرفُ عنكَ الشدائد، وبذلك تنالُ رضى ربّكَ الذي هو أزكى المطالب وأسمى الغايات. لا تفرّط في صلاتكَ، فهي عمادُ دينكَ، ونورُ قلبكَ، وراحتُكَ من عناءِ الدنيا. واظب عليها بقلبٍ خاشعٍ وروحٍ متصلة، فإنها صلتكَ بالخالقِ الذي خلقكَ وسوّاكَ ورزقكَ.
أيا بُني، اتبع الحقَّ حيثُ كان، ولا تخشَ في اللّٰه لومةَ لائمٍ. فالباطلُ زائلٌ وإن علا صوتهُ، والحقُّ باقٍ وإن خُفيتْ آثاره. كنْ بارًّا بوالديكَ، فهما بابُكَ إلى الجنّةِ، ورضاهما سبيلُ رضا ربكَ. واخفض لهما جناحَ الذلِّ من الرّحمة، ولا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهُما، واذكرْ فضلهما عليكَ في كلِّ حين.
أيا بُني، صحبةُ الأخيارِ غنيمة، ورفقةُ الأشرارِ ندامة. فاختر لنفسكَ رفاقًا يُعينونكَ على طاعةِ الله، ويذكّرونكَ إذا نسيتَ، ويقوّمونكَ إذا زيغتَ، ويُمسكونَ بيدكِ إذا زللتَ. ولا تكن على الناسِ عبئًا، وكن لهم مُعينًا. واعطف على المسكينِ، وارحم الضعيف، وسامح المُخطئ، واجعل قلبكَ خزانةً للمودةِ والرّحمة.
أيا بُني، اجعل طلبَ العلمِ دأبَكَ، وتعلّم ما ينفعُكَ في دينكَ ودنياكَ. فالعلمُ نورٌ يُضيءُ الدروب، ويُزيلُ غشاوةَ الجهل، ويُعلي شأنَ صاحبِه. وإياكَ والكسلَ والتسويف، فإنهما آفةُ الهممِ ومقبرةُ الطموحات. فاجتهد في عملكَ، وأتقن صنعتكَ، فاللهُ يُحبُّ إذا عملَ أحدُكم عملًا أن يُتقنه.
أيا بُني، تذكّر أنّ الموتَ حقٌّ وقادمٌ لا محالةَ، وأنّ القبرَ روضةٌ أو حفرةٌ. فاعمل ليومِ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونٌ إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليم. واستغفر لذنبكَ، وتُب إلى ربكَ توبةً نصوحًا. فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لا يُغلقُ حتى تطلعَ الشمسُ من مغربها. واعلم -يُصلحكَ الله- أنّ اللّهَ غفورٌ رحيمٌ، يُحبُّ التوابينَ ويُحبُّ المتطهرين.
أيا ولدي، هذهِ نصيحةٌ من قلبٍ يُحبّكَ، ويخشى عليكَ من فِتنِ الدُّنيا، فاجعلها نصبَ عينيكَ، واعمل بها تكن من الفائزين. فلهيَ وصيّتي إليكَ حتى تلقى اللّه وهو راضٍ عنكَ برحمتهِ وإذنهِ ﷻ.










