أيا أمّة الإسلام، يا من كانت لكم رايةٌ خفّاقةٌ في مشارقِ الأرض ومغاربها، ويا من خُطّت أمجادُكم بماءِ النّورِ على صفحاتِ التّاريخ! كيف أُخاطبكم في هذا الوضع الراهن، والكلماتُ تتلعثمُ على الشفاه، والمدادُ يجفُّ في الأقلام، حينَ يُرادُ لها أن تصفَ حالًا، لا يرضاهُ عاقلٌ، ولا يقبلهُ ضميرٌ حيٌّ؟
أينَ أنتمُ اليوم مِما نحنُ فيه، ومِما كُنّا عليه؟
أيا ورثةَ النبوة، ويا حملةَ الرسالة، قد استحال واقعُكم إلى أطلالِ مجدٍ تليد، وصرتم أجسادًا خاويةً لا روح فيها، وأصواتًا خافتةً لا يكادُ يُسمَع صداها… أين تلكم العزّة التي كانت تُزلزل عروش الطغاة، وتُضيء دروب المستضعفين؟ هل غارت شمسُكم، أم خفتت أنواركم، حتى باتت الأُمّة اليوم تتخبّطُ في ظلماتِ التيهِ والضياع؟ فلا أنتم الذين حفظتم أمجادها، ولا أنتم الذين حملتم لواء الرجولة فيها!
ألا تسمعون صراخ غزة؟ ألا ترون دماءَها التي تسيل أنهارًا في كلِّ لحظة، لتُلطّخ جبينَ الإنسانية بالعارِ والخزي؟ غزة اليوم، ليست مجرّد بقعةٍ من الأرضِ تُنتهك حُرمتها، بل هي ميزان العدل الذي اهتزَّ، ونبض الضمير الذي كاد أن يموتَ في صدورِ الكثيرين!
كيف تسكن فيكم الأرواح، وتنامُ العيون، والآلاف من إخوتكم يُذبحونَ بدمٍ بارد، وتُهدم بيوتهم على رؤوسهم، ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ، لا لشيءٍ إلا لأنّهم تشبّثوا بأرضهم، ودينهم، وعرضهم؟ هل باتت قلوبكم من حجر، أم أصابها الصمم عن صرخات الأيتام وأنّات الثكالى، والتي تدوي في أرجاءِ الكون، وتُشعل لوعةً وجيعةً في كلِّ قلبٍ حيٍّ؟
إنّ ما يحدُث في غزة اليوم، لهوَ شهادةٌ دامغةٌ على واقعٍ أليمٍ تعيشهُ الأُمّة. واقعُ التفرّق والتشرذم، وواقعُ الخنوع والضعف. ولقد بات عدوُّكم يستبيح حُرماتكم، ويُمزّق أشلاءَكم أمام أعينكم، وأنتم مُتفرّقون، تتبادلون العتاب بدلًا من حملِ السلاح للدفاع عن مقدّساتكم، وتُراقبون السقوط بدلًا من لمِّ الشتات!
كفانا من رثاءِ الماضي، ومن تِعداد المآثر الغابرة، وكفانا من النواح على أطلالٍ لم تُبنَ بعد! إنّ التاريخ لا يُكتب إلا بدماءِ الأبطال، والمجد لا يُصنع إلا بعزيمةِ الرجال. إنّ دينكم عظيم، وعقيدتكم راسخة، وتاريخكم مُشرق، وعددكم غفير. فماذا ينقصكم لتنتفضوا من غفلتِكم، وتُعيدوا مجد أُمّتكم، وتُعلى كلمتكم؟ أليسَ الله ناصركم، وهو خيرُ مُعين؟ أليس القرآن دليلكم ودستوركم، وهو خيرُ مُرشد؟
فلتكن غزة -بشهدائها وجراحها وصمودها- نبراسًا يُضيء لكم طريق التحرير، وصيحة تُعيد لكم الإيمان واليقين. عودوا إلى كتابِ ربِّكم، وتشبّثوا بسنةِ نبيِّكم، وتوحّدوا على كلمةِ الحقّ، فإنّ نصرَ الله قريب، وفتحَهُ لآتٍ، ولكن لمن يستحقُّهُ، ولمن يسعى إليهِ بقلبٍ صادقٍ وروح مُجاهدة.










