يا طريق الحب السرمدي، أذرف فيك عبراتي، وأحلم فيك بلياليّ، من غيابات الجبّ أستغيث اللهم وأستجير بجلالة وجهك اللهم يا كريم، ها أنا سمعتُ: “يا بشرى”، فيا فجري، متى ألقاك؟ يا الله أفرغ على المنكسرة قلوبهم جبرًا يليق بكرمك. عبد ينتظر على بابك… عوّدته لطفك، وهو لم يزل مُحسن الظن بك، فارًا بدينه لكهف الإيمان، فيضاء -بإذن الله- نورٌ ويبسط -بفضل الله- جنّات ومُتسع وأُنس.
يا طريق الغرباء، لله أنت… على أنّات الغربة لم يزل فارسنا مستعليًا بإيمانه، مطمئنٌ قلبه لمعالم التوحيد، مستأنسٌ بما أعد الله له، مما رأى عاجلَ بشراه في دنياه. كان أول دربه استغاثة في السحر: ربّاه، تعلم من حالنا وأنين أرواحنا… فقد كثرت الطرق، وعلى كل طريق ألف شيطان، وكل عثرة تكلّف من دمائنا وأرواحنا، ما إن تحمله لينوء به الأقوياء، فنجنا من كلابيب الفتن، واعصمنا من شياطين الطريق، ولا تضلنا -اللهم- بالشبهات الفارغة، فلكل شبهة صيحة، ولكل صيحة ألف مجيب، وكل مجيب، ما إن يأخذ حظه منها إلا تفرغ من عبوديته على قدرها…
صيحة شيطان ألقاها، فتقبّلتها قلوبٌ لم تعرف نور الطريق، فخشي فئة من المرابطين تبعات الطريق، فأخلدوا للعجوز الشمطاء -الدنيا اللعينة-، فلم يأخذوا منها شيئًا إلا قيل لهم: خذه ومثله نكدًا وهمًا، إنك بدلت وانسحبت، وعن الطريق تخاذلت، مد بصرك وانظر رايات التمكين، ارخِ سمعك، فإنها أصوات تكبير الفاتحين، تلك تأويل قوله ﷺ: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر»
ما إن فرغ فارسنا من مناجاة ربه، وتقليب فكره، وفرغ من ورده التعبدي، ذلك الوريد الذي يحيا منه ويستمر بفضل الله به… حتى تسلل الايمان صدره كما تسللت أشعة الشمس ثنايا روحه، فدفأ بعد برد، واطمئن بعد خوف، وهبّ لله قومة لم يقعد بها أبدا… علم عظمة الطريق وشرف الاصطفاء وكيد الكافرين وسبيل المجرمين، فلم يثنه ماكر، ولم يقعده خائف.
صاحبٌ هو أنت، نعم، يا من تبحث عن النور، وطريق الله المعروف، امض إليه، فإنه طريق النبي المصطفى ﷺ، فعليه سِر، ومن جيشه كن، و مع الزائدين عنه فلتكن… اختر ثغرك، قُم ليلك وجاهد نفسك في انتصاب قدميك، وإنه كما قيل: “هذه الممارسة الصعبة تقوّي النفوس، وتشد العزائم، وتصلب الأبدان، ولا ريب أن مصاولة الجاحدين أعداء الله تحتاج إلى نفوس قوية، وأبدانا صلبة، وإنك إذا اشتغلت بعبادة الله فى الليلة الظلماء، وأقبلت على ذكره والتضرع بين يديه، استعدت نفسك لإشراق وجلال الله فيها”، فقم لله قومة ترضي الإله العليّ، يا ثقتي بك، يا قسورة الإسلام، قم، فقد مضى زمن الرقاد…
وختاما، إليك هذه الوصية من المربية ليلى حمدان -سددها الله وأفاض عليها تلابيب رحمته-: (واعلم أن حراسة ثغور الإسلام شرف وله ثمن! ثمن تدفعه من روحك وأغلى ما تملك، فلا تحسب أن الاستعمال رخيص سهل المنال!، بل الاصطفاء دونه أكباد تقرّحت وقلوب هرست بالتمحيص!، ثم تمام الأماني في الضفة الأخرى من حد الموت. إذا أراد استعمالًا واصطفاء فترقب ملاحم الارتقاء الأشد، وتوقع كل أنواع البلاء والفقد، فسلعة الله غالية وغالية جدًا! أولئك الذين اختروا مناظر الطريق وفتات الدنيا على الاستقامة كما يحب الله ويرضى… أولئك الذين قدموا رضا الناس على رضا رب الناس! أولئك الذي استخسروا في أنفسهم مقامات الصدق الأوفى، هم الخامة الهشة. وفي الجانب الآخر من المشهد، قلوب مهاجرين وأنصار، تمتد أعمالهم إلى زمن الجيل المتفرد، قدوة وحسن اتباع. صفتهم الإيثار والعفة، قد قدموا حياتهم لثغور الإسلام دروعًا وسيوفًا وفداء).
ولك في كلام الفارس الشقير -رحمه الله- سلوى: (وكنتُ كلما تذكرتُ أن الراحة فى الجنة بقدر التعب والألم لله فى الدنيا، تمنيتُ مزيداً من الألم على شدة ألمي! إن لنا فى الآخرة جنةٌ تنسينا كل همومنا وآلامنا، وشغفٌ إلى لقياهُ يهوّن علينا كل صعب فى سبل الوصول إليه)!










