إلى عبد الله

|

أُخبرتُ أنك أحرزتَ أمتارًا ثم انثنيت، وقطعتَ أشواطًا ثم سكنتَ، تتراوح بين الإقدام والإحجام، وتتجلّى في حالتك صورةُ جَزْرٍ بعد مدٍّ.
يتسلل إلى قلبك الإحباط، وما إن تُقبِل حتى تفتر همتك. أكيد، فالشيطان لن يدعك وشأنك، وقد صرّح العزيز الحكيم في محكم التنزيل أنه يترصّد لمن سلك الصراط المستقيم:

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.

فتعوّذ منه، وأكمِلْ خطاك، وإن كثرت ذنوبك وعظُمت خطاياك، فَعُد إلى الله وتُب إليه، ولا تَقنَط من رحمة الله.
إليك آية تُثلج الصدر وتُسكِّن لهيب نفسك الوقّادة:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

يقول العلماء إنها أرجى آيةٍ في كتاب الله تعالى، فقد عمّت كلَّ من أسرف على نفسه بالمعاصي من الكبائر والصغائر، آيةٌ عامةٌ مطلقةٌ لا تقييد فيها بشرطٍ سوى التوبة.
اسلك سبيلَ الذلّ والرجاء، واطرُقْ بابه، لأنه لا يُردّ سالكُه، ولا يُحجب طارقُه.

ستنتكس مرةً أخرى، فأتبعها بتوبةٍ وأوبة، ولا تيأس، وهكذا مع كل ذنبٍ حتى يتوفاك الله.
قال رسول الله ﷺ: “كلُّ بني آدم خطّاء، وخيرُ الخطّائين التوابون”.
فما دمتَ من جنس ابن آدم، فأنت مجبولٌ على النقص، ولا تسلم من الزلل.

ولأن جراحك جسيمةٌ وآلامك كثيرة، فعليك بالعلاج التالي:
الصلاة؛ فريضةً وقيامًا وسننًا، والقرآنُ شفاءٌ لما في الصدور؛ قراءةً وتدبّرًا وعملاً وحفظًا، وصُحبةٌ صالحةٌ تُعينك على الدنيا وكبدِها، وطلبُ العلمِ ولزومُ مجالسِ أولئك الذين لا يشقى بهم جليسُهم، فإن لم تأخذْ منهم علمًا أخذتَ منهم أدبًا.

وإيّاكَ والسمومَ التالية: الفراغ.. الفراغ.. الفراغ؛ صحراءُ ممتدّةٌ يُزيَّن للعابرين سرابُها، فإذا هم غارقون في أوهامِ لذّةٍ عابرة، ثم لا يفيقون إلا على جراحٍ عميقةٍ في القلب والروح.
وذُنوبُ الخلوات مقبرةُ الهمم ومحرقةُ القلوب، بابٌ للشيطان ينسج فيه حبائلَه خيوطًا من فضولٍ مذموم حتى يُوقِعَ صاحبَه في الإدمان.
استباحةُ النظر… إياك وإطلاقَ بصرك، فالعينُ بوّابةُ القلوب، وما أسرع أن تنفذَ منها السهامُ فتجرحَ الفؤاد.

تُبْ إلى الله، والْحَقْ بالرَّكْب، ولا تتخلّف، وأقدِمْ، فإنّ الوصالَ الجنة.

وسلامُ الله عليك.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة