القول في الدين بغير علم

|

القول في الدين بغير علم

قد بين العلماء خطورة القول في الدين بغير علم، وفي النكير على من يتجرأ عليه، وأوضحوا أن القول على الله بغير علم قرين الشرك، لأن الله تعالى يقول:

{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}. [الأعراف:33].

قال سبحانه : (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) {النحل:116ـ 117}.
وقال جل من قائل : {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) }.{الأنعام:144}.

وجاء في مدارج السالكين لابن القيم: 
“وأمّا القول على الله بلا علمٍ، فهو أشدُّ هذه المحرّمات تحريمًا، وأعظمها إثمًا. ولهذا ذُكر في المرتبة الرَّابعة من مراتب المحرَّمات التي اتّفقت عليها الشَّرائعُ والأديانُ، ولا تباح بحالٍ، بل لا تكون إلّا محرَّمةً، وليست كالميتة والدَّم ولحم الخنزير، الذي يباح في حالٍ دون حالٍ.

فإنَّ المحرَّمات نوعان: محرَّمٌ لذاته لا يباح بحالٍ، ومحرَّمٌ تحريمُه عارضٌ في وقتٍ دون وقتٍ. قال تعالى في المحرَّم لذاته:

﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٣٣]. 

ثمّ انتقل منه إلى ما هو أعظم منه، فقال:

 ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾، 

ثمَّ انتقل منه إلى ما هو أعظم منه، فقال:

﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

فهذا أعظمُ المحرَّمات عند الله وأشدُّها إثمًا، فإنَّه يتضمَّن الكذبَ على الله، ونسبتَه إلى ما لا يليق به، وتغييرَ دينه وتبديلَه، ونفيَ ما أثبته وإثباتَ ما نفاه، وتحقيقَ ما أبطله وإبطالَ ما أحقَّه، وعداوةَ من والاه وموالاةَ من عاداه، وحبَّ ما أبغضه وبغضَ ما أحبّه، ووصفَه بما لا يليق به في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله.

فليس في أجناس المحرَّمات أعظَمُ عند الله منه ولا أشدُّ إثمًا، وهو أصلُ الشِّرك والكفر، وعليه أُسِّست البدعُ والضَّلالاتُ، فكلُّ بدعةٍ مُضلَّةٍ في الدِّين أساسُها القولُ على الله تعالى بلا علمٍ” .

ومن أفتى بغير علم فإن كل ما يترتب على فتواه من مخالفة للشرع ومباينة للهدى فإنه يتحمل وزرها،

لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “من أُفتيَ بغير علم كان إثمه على من أفتاه” رواه أبو داود و الحاكم عن أبي هريرة وحسنه الألباني في صحيح الجامع.

والكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- داخل في الكذب على الله ـكما هو معلوم ـ

يقول ابن حجر في الفتح: تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى، لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه.

فعلى المسلم أن لا يخوض في هذا الأمر إلا بعلم، وإلاَّ تقحم النار والعياذ بالله.

تعظيم السلف لأمر الفتيا

كان السلف رضوان الله عليهم لشدة علمهم وفقههم ومعرفتهم يدركون قدر الفتيا وثقل أمرها وخطورة عاقبتها؛ ولهذا كانوا يهابون هذا الموقف ويحذرونه ويحذرون منه.

وأقاويلهم في هذا مستفيضة وخوفهم من هذا المنصب كبير، لأن الفتيا من غير متأهل، والقول في الدين بغير علم، منكر عظيم وإثم مبين، ووقوع في سبل الشيطان الرجيم.

قال سبحانه: ﴿ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين* إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾ [البقرة:168-169]

ومن ذلك:-

  • – قال ابن المنكدر “العالم بين الله تعالى وخلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم”.
  • – قد ثبت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى -رحمه الله- أنه قال “‌أدركت ‌عشرين ‌ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أراه قال: في هذا المسجد، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا”.
  • وقال أيضا “أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول”.
  • – روى الآجري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال “من فاته لا أدري أصيبت مقاتله”.
  • – كان الإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول “من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف خلاصه؟ ثم يجيب”.
  • وسئل عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة فغضب، وقال “ليس في العلم شيء خفيف”.
  • – قال أبو حنيفة رحمه الله “لولا الفزع من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت! يكون لهم المهنأ وعلي الوزر”.
  • – سئل الشافعي رحمه الله عن مسألة فلم يجب، فقيل له، فقال: “حتى أدري أن الفضل في السكوت أو الجواب”.
  • – عن الأثرم قال “سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول: لا أدري، وذلك فيما عرف من الأقاويل فيه”.
  • – قال الخطيب “قلَّ من حرص على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها، إلا قلَّ توفيقه، واضطرب في أموره، وإن كان كارهاً لذلك غير مؤثر له ما وجد عنه مندوحة، وأحال الأمر فيه على غيره، كانت المعونة له من الله أكثر، والصلاح في جوابه أغلب”.
  • – قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: “وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى بها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى”.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة