البشرة الدهنية: أسرارها، مشاكلها، وحلولها العلمية

|

في عالم الجلد، حيث تتلاقى الخلايا، والدهون، والماء، والهرمونات في سيمفونية متقنة، توجد فئة من الناس يعيشون تحديًا يوميًا مع بشرتهم؛ إنها البشرة الدهنية.

هذا النوع من الجلد لا يمرّ مرور الكرام، بل يفرض حضوره باللمعان، والبثور، والمسام الواسعة، لكنه أيضًا يخفي في ثناياه قدرة فريدة على مقاومة الزمن والتجاعيد.

ما هي البشرة الدهنية؟

البشرة الدهنية؛ هي نظام جلدي فسيولوجي يتسم بفرط نشاط الغدد الدهنية Sebaceous Glands. هذه الغدد تفرز مادة تُعرف باسم الزهم (Sebum)، وهي مزيج من الدهون الطبيعية التي تشكّل خط الدفاع الأول للبشرة ضد الجفاف والعوامل البيئية القاسية.

لكن حين يخرج هذا الإفراز عن السيطرة فيفيض؛ يختنق الجلد وتبدأ المشكلات: لمعان زائد، انسداد المسام، تكوّن الرؤوس السوداء، بل وتفشي حب الشباب.

من أين تبدأ الحكاية؟

تبدأ عادة في السن الذي تظهر فيه أولى التغيرات الهرمونية.
الغدد الدهنية تستجيب للهرمونات الذكرية (الأندروجينات)، خصوصًا التستوستيرون، فترتفع وتيرة إفراز الزهم.
في المراهقة، تبلغ ذروتها، مما يجعل 65% إلى 85% من المراهقين يعانون من حب الشباب.
المفاجأة؟ أن القصة لا تنتهي بعد البلوغ، فالدراسات تشير إلى أن 14% إلى 50% من البالغين يعانون من حب الشباب الهرموني أو البشرة الدهنية المستمرة، لا سيما النساء الشابات.

علامات مميزة لا تُخطئها العين

تتعرف على البشرة الدهنية من النظرة الأولى

1_ لمعان دائم، خاصة في “منطقة T” (الجبهة، الأنف، الذقن)

2_ مسام متوسعة وظاهرة

3_ ملمس خشن وسميك

4_ رؤوس سوداء أو بيضاء

5_ بشرة رمادية باهتة ومليئة بالبقع

كيف تتكون البثور؟

حين يتراكم الزهم في المسام، ويختلط بالخلايا الميتة، يخلق بيئة مثالية لنمو بكتيريا الجلد الطبيعية Cutibacterium acnes. هذه البكتيريا تتغذى على الدهون وتفرز مواد تؤدي إلى الالتهاب.
والنتيجة؛ بثور، تهيج، وأحيانًا ندوب.

عوامل تفاقم مشاكل البشرة الدهنية

البشرة الدهنية تتأثر بعوامل كثيرة:

الهرمونات:

خاصة أثناء الدورة الشهرية، الحمل، أو عند تناول موانع الحمل

الضغوط النفسية:

حيث تحفّز الغدد الدهنية عبر هرمون الكورتيزول

التغذية:

الأطعمة الدهنية، السكرية، منتجات الألبان، وحتى الشوكولاتة قد تؤدي لتفاقم الحالة لدى بعض الأفراد

مستحضرات التجميل غير المناسبة:

المكياج الثقيل أو غير المناسب قد يسد المسام ويزيد المشكلة

العوامل البيئية:

الرطوبة، التلوث، وحتى التعرض المفرط للشمس

المفارقة العلمية…قوة في مواجهة الزمن

قد يبدو هذا غريبًا، لكن البشرة الدهنية تتقدم في العمر ببطء. بسبب سمكها واحتوائها على نسب أعلى من الزهم، تكون أقل عرضة للتجاعيد الدقيقة وللجفاف المرتبط بالتقدم في السن. لكن هذا لا يعني تركها بلا عناية.

العناية بالبشرة الدهنية:

1_ التنظيف الذكي

القاعدة الذهبية= لا تقسو على بشرتك!

استخدام الصابون القاسي أو المنتجات التي تحتوي على الكحول يؤدي إلى تجريد الجلد من زيوته الطبيعية، فيرد عليك الجلد بإفراز المزيد!
الأفضل= منظفات لطيفة، خالية من الزيوت، تحتوي على مكونات مضادة للبكتيريا ومنظفة للمسام، مثل:

  • – حمض الساليسيليك
  • – الزنك
  • – الطين الطبيعي
  • مرتان يوميًا تكفي، صباحًا ومساءً.

2_ الترطيب… نعم الترطيب!

الكثيرون يعتقدون أن البشرة الدهنية لا تحتاج إلى مرطب، لكن الحقيقة العلمية تقول العكس. إذا افتقد الجلد الماء، سيحاول تعويض ذلك بإفراز المزيد من الزهم. مرطبات البشرة الدهنية يجب أن تكون:

  • – خالية من الزيوت
  • – ذات أساس مائي أو جل
  • – تحتوي على حمض الهيالورونيك أو الصبار

3_ تقشير وتطهير عميق

مرّة أو مرتين في الأسبوع، يُنصح باستخدام مقشر لطيف للتخلص من الخلايا الميتة وتحفيز تجديد البشرة.
لكن تجنبي الفرك القاسي، خصوصًا إذا كنتِ تعانين من حب الشباب.

4_ مكياج بلا ضرر

المكياج ليس ممنوعا، لكن اختياره هو ما يصنع الفرق:

  • – اختاري تركيبات خفيفة غير دهنية
  • – تجنبي كريمات الأساس السميكة
  • – نظّفي أدوات المكياج بانتظام
  • – غيّري غطاء الوسادة باستمرار

5_ تغذية البشرة من الداخل

قد لا توجد قاعدة صارمة حول علاقة الطعام بالبشرة، لكن نظامًا غذائيًا متوازنًا غنيًا:

  • – بالفواكه والخضروات
  • – بالماء (1.5 لتر على الأقل يوميًا)
  • – ومعتدل في الدهون والسكريات قد يصنع فرقًا واضحًا في صحة الجلد.

عندما تستدعي الحالة تدخلاً متخصصًا

في بعض الحالات، لا يكفي الروتين المنزلي. حب الشباب المتكرر أو الوردية أو التهابات الجلد قد تتطلب تدخلًا طبيًا:

  • – مكملات الزنك أو فيتامين A
  • – كريمات موضعية بوصفة طبية
  • – فحوصات هرمونية
  • – الطبيب المختص وحده من يستطيع تحديد العلاج المناسب.

مواد أثبتت صداقتها مع البشرة الدهنية:

إن محاولة “تجفيف” هذه البشرة أو إرغامها على التوقف عن إفراز الزيوت عبر المنتجات الكيميائية، كمن يحاول إطفاء النار بالنفخ فيها!

السر يكمن في استخدام المواد الصديقة التي تفهم طبيعة البشرة وتساعدها على التنظيم الذاتي والتوازن دون أن تجرّها لفوضى جديدة.
فلنبدأ رحلة استكشاف هذه المواد معًا.

1_ الزيوت الناقلة التي تحبها البشرة الدهنية:

هل من المعقول أن نستخدم زيوتًا على بشرة تفرز الزيت أصلًا؟ نعم، وبكل بثقة! لكن بشرط أن تكون هذه الزيوت (non-comedogenic)، أي لا تسدّ المسام، وتساعد على تنظيم إفراز الزهم بدلًا من زيادته.

*- زيت الجوجوبا (Jojoba Oil)

يعد من أعظم النعم، حيث أن تركيبته تقارب الزهم البشري بشكل مذهل، ما يجعل البشرة “تظن” أنها أنتجت ما يكفي وتتوقف عن الإفراط. كما أنه مضاد للبكتيريا وخفيف الامتصاص.

*- زيت بذور العنب (Grapeseed Oil)

خفيف، قابض، غني بالبوليفينولات ومضادات الأكسدة. يهدئ الالتهابات ويضيق المسام، مما يجعله مثاليًا كمصل ليلي أو أساس قبل وضع المكياج.

*- زيت الأرغان (Argan Oil)

رغم أنه مغذٍ، فهو مناسب حتى للبشرة الدهنية لأنه يوازن بين الترطيب وعدم الانسداد. يمد البشرة بفيتامين E والأحماض الدهنية الضرورية.

2_ الزيوت الأساسية التي تنظف وتوازن:

الزيوت العطرية (Essential Oils) مستخلصات مركّزة من النباتات، تمتاز بفعاليتها العالية، لكنها تحتاج دائمًا للتخفيف في زيت ناقل. بعض هذه الزيوت تحبها البشرة الدهنية لأنها:

  • – تقاوم البكتيريا المسببة لحب الشباب.
  • – تقلل الالتهاب.
  • – تنظم إفراز الزهم.

زيت شجرة الشاي (Tea Tree Oil)

مضاد بكتيري فائق، يُستخدم كنقطة معالجة على الحبوب، أو يُضاف بقطرة إلى التونر أو القناع.

زيت اللافندر (Lavender Oil)

مهدئ ومضاد للالتهاب، يساعد على شفاء الحبوب والتهيج، وله تأثير نفسي مريح يقلل من التوتر الذي يفاقم مشاكل البشرة.

زيت إكليل الجبل (Rosemary Oil)

يقوي الدورة الدموية في الجلد ويقلل من إنتاج الدهون الزائدة، كما ينعش البشرة ويشدّها.

3_ الأعشاب وماءاتها المقطرة…طب الجلد الطبيعي

الأعشاب ليست فقط للمغليّات والمهدئات، بل لها تأثير مباشر وفعّال على البشرة، وخاصة عندما تُستخدم في شكل منقوع أو ماء مقطر.

*- ماء الورد

تونر كلاسيكي يقبض المسام، يوازن درجة الحموضة، يخفف الالتهابات، ويمنح رائحة منعشة.

*- ماء النعناع

مبرد طبيعي، ينعش البشرة ويقلل من إنتاج الدهون.

*- ماء البابونج

مثالي للبشرة التي تجمع بين الدهنية والحساسة، يهدئ ويقلل التهيّج.

*- الزعتر والروزمارى

نقعهما في ماء ساخن يعطي غسولًا قابضًا ومطهّرًا طبيعيًا يقلل من حب الشباب ويشد المسام.

4_ الطين الطبيعي – سلاح التوازن العميق

الطين من أقدم ما استخدمه الإنسان للعناية بالبشرة، وله قدرة مدهشة على سحب الشوائب والدهون من المسام دون أن يسبب جفافًا إذا استخدم بحكمة.

*- الطين الأخضر الفرنسي

الأكثر فاعلية في امتصاص الزهم، مثالي للبشرة الدهنية النقية.

*- الكاولين الأبيض

أخف، ويمكن استخدامه حتى للبشرة المختلطة أو الحساسة، ينظف بلطف ويمنح إشراقة.

*- الطين المغربي (الغاسول)

يحتوي على معادن مغذية، ينظف ويرطّب في آنٍ معًا، ويمكن استخدامه كغسول يومي مخفف بالماء أو ماء الورد.

5_ المواد الفعالة الطبيعية – أسرار مخبرية من قلب الطبيعة

بعض المكونات الطبيعية تحتوي على مركبات فعالة مذهلة في تأثيرها على البشرة الدهنية:

*- النياسيناميد (فيتامين B3)

ينظم إنتاج الزهم، يقلل من البقع الداكنة، ويحسّن نسيج الجلد. متوفر طبيعيًا في الخميرة والبقول.

*- حمض الساليسيليك (Salicylic Acid)

يتواجد طبيعيًا في لحاء الصفصاف الأبيض، ويُذيب الدهون داخل المسام، مما يمنع انسدادها.

*- الشاي الأخضر

غني بالكاتيشينات، يقلل من إفراز الزيوت ويهدئ الالتهاب، ويمكن استخدام منقوعه كتونر أو كمادة باردة.

ماسك متكامل للبشرة الدهنية

المكونات:

ملعقة طين أخضر

ملعقة صغيرة من ماء النعناع أو الورد

قطرة من زيت شجرة الشاي

نصف ملعقة صغيرة من زيت الجوجوبا

طريقة التحضير:

اخلطي المكونات حتى تحصلي على قوام متجانس. طبقيه على بشرة نظيفة واتركيه حتى يبدأ بالجفاف (وليس حتى التشقق). اغسليه بماء فاتر، ثم رشي ماء ورد، وادهني وجهك بنقطة من زيت بذور العنب.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة