إن استنزاف الروح بالتعلق الشديد بغير الله، لهو ذل واستهانة بسلامة الأمانة، فهذه الروح لم تخلق لغير حب الله وعبادته، وما كان مرض التعلق لها!
إن الروح أمانة في عنق صاحبها، وإن القلب كذلك، وكلاهما ملكٌ لخالقهما. جميعنا في هذه الدنيا حاملي هذه الأمانة، فإما أن نسلمها كريمة مُصانة، وإما أن نسلمها ذليلة مُهانة! وإن المؤمن خير من يحمل الأمانة ويسلمها مُصانة لا عبث فيها ولا خلل.
وقد قيل أن تعلق القلب بغير الله قد يبلغ أن يكون معصية قلبية تستوجب العقوبة، وهذه العقوبة قد تكون خيراً للعبد من وجه آخر، فتكفر بها من سيئاته، وقد تكون سبباً في رجوع قلبه إلى الله.
وإذا أراد الله بعبده خيراً سلط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بحب غيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه.
-ابن القيم
همسة لقلبكِ المتعب:
كفاكِ عبثاً بقلبكِ يا ابنة الإسلام، وكفى بروحكِ بعثرة وشتاتاً، لقد أتعبتِ روحكِ التي بين جنبيكِ، ولقد أضعتِ وقتاً ثميناً لو يُباع لاشتراه أصحاب الهمم! ولكن هيهات هيهات.
ولكم هدرتِ الأيام والليالي، وذرفتِ الحمم ولم تُبالي، علقتِ نفسكِ بسراب الحب! أتحسبينه ماءً يروي ظمأ مشاعرك؟ هذه الهشاشة التي أصابت قلبكِ لا تهمليها، يجب أن تعالجيها بأقصى سرعة! وإلا أخذت بيدكِ إلى الجحيم، عافانا الله وإياكِ يا عفيفة القلب.
أتظنين أن هذه الروح ملكٌ لكِ، تتصرفين بها كما تشائين؟ فلتعلمي أنها أمانة في عنقكِ إلى يوم الدين، فاحفظي هذه الأمانة من الضياع، وحافظي عليها لئلا تُهان وتُستنزف عافيتها!
لقد حان وقت سحق ذاك التعلق الأعمى بكل من هب ودب! وقد حان وقت استئصال هذا المرض، ولقد آن الأوان لأن تشحذي الهمة للحفاظ على هذه الأمانة، فمن يدري متى تُعطى لمالكها؟ فنحن هنا حاملين أرواحنا كأمانة يجب أن نسلمها يوماً ما كما يحب مالكها ويرضى جل في علاه.
كوني قوية مستعلية بدينكِ وعفتكِ وحياؤكِ، لا تسمحي لأحد أن يتملك قلبكِ بلا أدنى صلة بينكما أو قرابة تصلكِ به. إن التعلق بأي رجل يرفعه الناس أو ترندات المواقع، والاستهتار في إطلاق النظر اليه، والبحث عن فيلم حياته لهو من منكرات العصر!
حافظي على الحياء في السر والعلن، ولا تتبعي خطوات الشيطان؛ فإنه يمهد لكِ طريق الذل ويفرشه بالورود، يبدأ معكِ من الصفر حتى يوصلكِ للهلاك دون أن تشعري، والسبب أنكِ تبعتِ أول خطوة!
مشاعركِ احفظيها لمن يستحقها وذكريها بالله، رأفة ورحمة بنفسكِ لا تطلقي العنان للتعلق بشخصية رجل مر في حياتك أو سيمر لأمر ما، سواء تقدم لخطبتكِ يوماً ما، أو درس معكِ أو علمكِ او حتى كان جارٌ لكِ أو طبيبكِ، حتى ذاك الذي تابعتِ صفحاته عبر المواقع، وبدأ قلبكِ يطرب لكل حركة وسكنة منه!
وإن أحدهم أسدى اليكِ معروفاً، أو كان إماماً في أحد المساجد وصليتِ خلفه؛ لا تسمحي لمشاعركِ أن تستعلي في جوفك، واجعلي لها حدوداً لا تتخطاها مهما كلف الأمر. واحذري أشد الحذر من التعلق بأصحاب الحسابات الشرعية، ولا تنزلقي بالدخول للخاص، ولا تنثري اعجاباً هنا، أو تعليق هناك!
ولئن ابتليتِ بشيء من الحب لشخص ما؛ فرفقاً بنفسكِ وعفتكِ اضغطي زر الكتم، وألجمي فم الإعجاب! اكتمي مشاعركِ، فإن كان من نصيبكِ؛ فأطلقيها حينما يأذن الله لكما بالحلال، وإلا فاقبضي على جمر قلبكِ فوالله لن يضيع صبركِ سدى، وستثابين بامتناعكِ عن الحرام.
كوني على يقين أنه لن يضيع عند الله مثقال ذرة؛ فاخفضي جناحكِ لله وشرعه بقلبٍ مطمئن، وأهملي تلك المشاعر لئلا تسيطر على قلبكِ وتتمكن منه، ويستعلي فرعون جوفكِ، فتصبحين كالعبد الذليل لشهواته!
لا تتهوري ولو كنتِ طالبة علم، ولا يغركِ داعية ولا شيخ ولا عالم فلنا في قصة العابد “بريصيصة”عبرة!
انهضي نهضة حر كريم، واتركي عنكِ كل ما يُهين، حرري مشاعركِ من عبودية التعلق المرضي، وعلقي قلبكِ بعبادة الله وحده لا شريك له. فإن التعلق بغير الله مرض صعب العلاج، فعليكِ بالوقاية فإنها خير من العلاج، أغلقي كل باب تصدر منه رائحة التعلق، وأقفلي كل نافذة تتسلل منها صوت المشاعر!
فمن الآن ابدئي وضعي حزام الأمان وسلي الله أن يعفو عما مضى، فلا ترفعي للشيطان في نفسكِ راية، ولا تحققي له غاية!