الصبر وقود الأدب

|

الصبر وقود الأدب

عندما تُبتلى توضع أخلاقك على المِحكّ، هل ستسيء الأدب مع الله ومع من حولك؛ أم سَيظهر معدنك الأصيل؟

وصف وجدان العلي حال كِبار الأخلاق والنفوس؛ فقال: (وهكذا هم الكبار في المضائق تحيط بهم الهموم، إحاطة الظلام بالنجوم، فلا يزيدهم سوادها إلا بريقاً ولمعاناً).

ما أرى الناس في الابتلاءات إلا نوعين:

الصنف الأول (خيرهُم): هو من أكسبته الابتلاءات رِقة، ومنحته إحساساً عالياً فيمن حوله، وبصّرته بنفسه وبمن حوله أكثر. فَهِم ضعفه؛ فتبتل خاشعاً ضارعاً في محراب ربه.

وكما قيل في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرقة الحزينة جزء من كيّانه). فقد الأب والعم والأم والزوجة والأبناء، ومع ذلك كان مواسياً لأهل الابتلاءات والفقد، حانياً عليهم مُربتاً على جراحهم.

فترى الإنسان الراضي على قضاء ربه، المعلّق رجاءه بربه؛ يرقّ قلبه لمن يراه يكابد نفس بلاءه، ولو تجاوزه بعد حين، وأصبح ماضياً يُذكر؛ إلا أنه عايش آلامه ذات مرّة، وحرّي به أن يرأف بهم.

ونوع آخر من الناس، عصمني الله وإياكم أن نكون منهم: يتخذ البلاء شمّاعة لسوء خلقه. لسان حاله: ألا تعلم أني أمر بضائقة نفسية؟ إذاً تحمّل سوء خلقي. ألا تعلم أني كذا وكذا؟ إذا غضبت وجرحتك وأهنتك تحملني ولا تحزن مني. اتفقنا، أنا مبتلى.

ينسى أو يتناسى أن من حوله يكابدون؛ لكنّه كالعربة الفارغة صاخِب؛ لأنه فارغ من معاني الإيمان والصبر والاحتساب.

فيتسخط على ربه وقضائه؛ لأنه حزين مهموم. وما إن يتجاوز هذا البلاء بفضل من الله وحده وما هو إلا عبد مسكين مكسور بضعفه؛ يهزأ مِمن أصيب بنفس بلائه، وينظر لألمه باستهتار. يراه هشّاً كئيباً، ولسان حاله: ألا تراني أنا القوي، تجاوزته وحدي؟

وأحياناً ترى تصرفاته وكأنه أقسم أن يجرّع كل من يراه من نفس الألم، وينقل له نفس الأوجاع. يستمتع أن يرى الجميع يعايش ما عاشه. فيتحول إلى بؤرة عَفنة موبوءة، تنقل الأمراض لكل من يقترب منها. ونفثة سامة تؤذي كل من تلامسها. وصبغة سوداء تأبى إلا أن تصبغ الأرواح والأجساد.

وأختم بمعنى لطيف للشيخ بدر آل مرعي، حيث يقول: (لا يمكن أن يكون الانسان مؤدباً إن لم يرفع إيمانه، الآداب ليست مجرد قشور  الأتكيت. الأدب في الإسلام بمعنى أوسع، أشرف من أن يكون تزيّن للناس يبدأ من علاقة الانسان مع ربه وتنتهي بعلاقته مع الناس. الأنبياء سادة الأدب والله. إبراهيم الخليل يعيش البلاء من كل جانب، لم يفقده البلاء جوهرة الإيمان بربه. قال

{الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين واذا مرضت فهو يشفين}

لم يقل واذا أمرضني؛ حفظاً لمقام الأدب مع الله سبحانه وتعالى. الحاصِل أن الصبر وقود الأدب).

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة