هل قتال نسيبة بنت ڪعب رضي اللهُ عنها يُبيح الاختلاط؟

|

السؤال

السَّلامُ عليڪُمُ ورحمةُ اللَّهِ وبرڪاتُه.

هل قتال نسيبة بنت ڪعب رضي اللهُ عنها يُبيح الاختلاط، يعني هذا موقف استثنائي وليس قاعدة في الدين، صح؟! ڪيف نرد علىٰ من يستشهد بموقفها في الخروج والعمل والاختلاط!

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولا: الذي جاء في حكاية قتال نسيبة بنت كعب رضي الله عنها
“ما التفت يمينا ولا شمالا إلا ورأيتها تقاتل دوني”.
رواها ابن سعد في «الطبقات» (٣٠٥/٨) وفي سندها محمد بن عمر الواقدي وهو متروك و كذاب
فلا يصح هذا الحديث.
وبالتالي لا يصح الاستدلال به أصالة.

ويراجع كلام الدكتورة هيا الصباح .

ثانيا: ولو صح فلا يستدل به على إباحة الاختلاط والعمل. لكونه حدث اضطراري.
فالضرورات تبيح المحظورات.

ولا يجعل الاضطرار كالأصل.
ولا يجوّز به ويباح المحظور دون الاضطرار ، وربنا لم يفرض على النساء الجهاد، ولم يجوز لهن الاختلاط ، ولم يفرض عليهن السعي في الأرض والتكسب.

وأوضح لك زيادة بطريقة أخرى: أباح ربنا أكل لحم الخنزير في حال الاضطرار ، فلا يقول عاقل بحل أكله والمرء متوافر عنده الرزق الطيب وليس مضطرا، استنادا على جواز أكله حال الاضطرار!

وسأنقل لك من كتاب الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، لأبي النصر محمد بن عبدالله الإمام، عرضه ورده على الشبهات:

الشبهة الثانية استدلال مبيحي الاختلاط بغزو النساء مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومداواتهن الجرحى

مثل حديث أنس با قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي ﷺ قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنها المشمرتان أرى خدم سوقها تنقزان القرب. وقال غيره تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم رواه البخاري رقم (۲۸۸۰).

وعنه أيضا قال: كان رسول الله ﷺ يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى) رواه مسلم رقم (۱۸۱۰).

وعن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع النبي ﷺ فنسقي القوم ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة رواه البخاري رقم (۲۸۸۳).

وعن أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع رسول الله ﷺ سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى) رواه مسلم رقم .(۱۸۱۲)

وعن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال. فقال ابن عباس: لولا أن أكتم عليها ما كتبت إليه كتب إليه نجدة: أما بعد: فأخبرني هل كان رسول الله ﷺ يغزو بالنساء ؟! وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو ؟ فكتب إليه ابن عباس: كتبت تسألني: هل كان رسول الله ﷺ يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة …. رواه مسلم رقم (۱۸۱۲).

والجواب عن هذه الشبهة من وجوه

الوجه الأول: العلماء مجمعون على أن المرأة ليس عليها جهاد، قال ابن حزم في مراتب الإجماع ص (۲۰۱) (واتفقوا أن لا جهاد فرضا على امرأة، ولا على من لم يبلغ، ولا على مريض لا يستطيع، ولا على فقير لا يقدر على زاد).

وقال محمد بن عيسى بن أصبغ واتفقوا كذلك أن المرأة ومن لم يبلغ والمريض الذي لا يستطيع القتال لا جهاد فرضا عليه. نقلا من كتاب الإنجاد في أبواب الجهاد ص (۷۰۷).

وقال أبو محمد المقدسي في الكافي” (٥٢٤/٥): (ولا يسهم لامرأة ولا صبي ولا مملوك ؛ لأنهم من غير أهل القتال، ويرضخ لهم دون السهم).

قلت: والأدلة على عدم فرضية الجهاد على المرأة كثيرة، وأصلها قول النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة بالها : لكن أفضل الجهاد حج مبرور في البخاري (٢٧٨٤).

وقال العلامة بكر بن عبد الله أبوزيد في حراسة الفضيلة ص (٥٥-٥٦): (لم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد، وكذلك الخلفاء بعده، ولا انتدبت امرأة لقتال ولا لمهمة حربية، بل إن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحروب دال على ضعف الأمة و اختلال تصوراتها. وعن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث ؟! فأنزل الله: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بعض [النساء : ۳۲]. رواه أحمد والحاكم وغيرهما بسند صحيح. قال الشيخ أحمد شاكر قال تعليقا على هذا الحديث في عمدة التفسير (١٥٧/٣) (وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين في عصرنا الذين يحرصون على أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، فيخرجون المرأة عن خدرها، وعن صونها وسترها الذي أمر الله به، فيدخلونها في نظام الجند، عارية الأذرع والأفخاذ، بارزة المقدمة والمؤخرة متهتكة فاجرة، يرمون بذلك في الحقيقة إلى الترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية تشبها بفجور اليهود والإفرنج، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة)

فإذا علم أن المرأة لم يفرض عليها الجهاد في سبيل الله وإن كانت ذات شجاعة، علم أن خروج النساء في الغزو ليس فيه اختلاط بالرجال؛ لأنهن لا يقاتلن معهم. فكل الأحاديث الواردة في خروج النساء في الغزو وفي الجهاد في سبيل الله لا يراد بها القتال مع الرجال.

الوجه الثاني: دلت الأحاديث على جواز خروج النساء في الغزو، ولكن هذه الخروج له ضوابط، قال ابن عبد البر في التمهيد (٢٦٦/١٩): (وخروجهن مع الرجال في الغزوات وغير الغزوات مباح إذا كان العسكر كبيرا يؤمن عليه الغلبة)

فقوله: (مباح) دليل على أنه ليس سنة. وقوله: (إذا كان العسكر كبيرا يؤمن عليه الغلبة مفيد على أن خروجهن حسب المصلحة، وخروج المحرم لا بد منه، فإن لم يوجد لها محرم، فلا خروج.

ومن الضوابط أيضا أن كثيرا من العلماء نصوا على أن الخارجات من كبيرات السن، وكرهوا خروج الشابات. قلت: وهذا واضح؛ لأن الخارجات في عهد الرسول في الغالب كُن كبيرات في السن، كأم سليم وأم عطية وغيرهما.

وأما عمل الخارجات في الغزو فسقي القوم ومداواة المرضى ورد الجرحى والقتلى، كما دلت الأحاديث السابقة على هذا. وهذا لا يلزم فيه الاختلاط بغير محارمهن، قال النووي في شرح مسلم (۱۲/ ۱۹۰): (وفي هذا الحديث اختلاط النساء برجالهن في حال القتال؛ لسقي الماء ونحوه.

قلت: وإن حصل شيء من الاختلاط فلضرورة.

قال القرطبي في المفهم” (٦٨٤/٣) (قوله يسقين الماء، أي يحملنه على ظهورهن، فيضعنه بقرب الرجال فيتناوله الرجال بأيديهم فيشربوه).

وإن حصل شيء من الاختلاط فلضرورة ذلك الحال، قال ابن حجر في “الفتح” (٩٤/٦): (وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة. قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن… فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس.

فاتضح مما سبق أن خروج النساء في عهد الرسول والصحابة للغزو في سبيل الله ليس فيه اختلاطهن بالرجال، إلا ما قد يضطر إلى ذلك. ولا حجة لمبيحي الاختلاط في الضرورة؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها والضرورات تبيح المحظورات، فكيف يحتج بهذه الأحاديث لتبرير المؤامرة الدولية على المرأة المسلمة لإقحامها في فتن الاختلاط والتبرج وغير ذلك؟!

وكيف يحتج بها دعاة الاختلاط للمتاجرة بالمرأة؟! وكيف يحتج بها مفسدو العالم على الاختلاط بالشابات المتبرجات ؟! وكيف يحتج مروجو الفتن على الخلوة بالمرأة وسفرها بدون محرم وغير ذلك ؟!

فليربئوا بأنفسهم عن سلوك هذا الطريق في الاستدلال.

الشبهة الثالثة: قوله إن أم سليم كان معها خنجر في غزوة حنين.

مرادهم أنها مختلطة بالمسلمين تقاتل الكفار

والجواب عن هذه الشبهة يتضح بإيراد الحديث.

عن أنس : أن أم سليم اصطحبت معها خنجرا؛ لتدافع عن نفسها إذا اعتدى عليها مشرك عند أبي داود برقم (۲۷۱۸).

فليس فيه أنها مختلطة بالصحابة في قتال ولا في غيره، ولهذا شراح الحديث لم يذكروا أمر الاختلاط استنباطاً من هذا الحديث، وإنما استنبطوا منه أن المرأة المسلمة تقاتل دفاعا عن نفسها.

الشبهة الرابعة: قول النبي في أم عمارة: «ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني»

هذه القصة رواها ابن سعد في الطبقات (٣٠٥/٨) وفي سندها محمد بن عمر الواقدي وهو متروك، وإذا سقط الأصل وهو الصحة سقط الفرع وهو الاستدلال.

الشبهة الخامسة: استدلالهم أن أسماء بنت يزيد شهدت اليرموك وقتلت سبعة من الروم بعمود فسطاط ظلتها.

وهذه القصة رواها سعيد بن منصور (٣٧٢/٦) رقم (٢٦٠٣) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (١٢٨/٦) رقم (٣٣٤٩) والطبراني في “الكبير” (١٥٧/٢٤) رقم (٤٠٣)

وفي سندها مهاجر مولى أسماء، وهو مقبول كما في «التقريب»، أي: عند المتابعة، ولا نعلم له متابعا.

ولو صحت لم يصح الاستدلال بها؛ لأنه لا يفهم من القصة أنها قاتلت مع الرجال وبحضرتهم، بل ظاهرها أنها قتلت السبعة المذكورين لما جاءوا إلى خيمتها، أو اقتربوا منها.

وفي الختام، كان حضور المراة المسلمة للمعالجة والإطعام ليس لفريضة عليها إنما لشدة حال المسلمين في بداية الإسلام، ولذلك بعد أن مكّن الله تعالى للمسلمين لم يعد هناك خروج للنساء في الحروب، وأضحت هناك الجيوش المنظمة والمكتفية بخدماتها دون حاجة لتواجد للنساء، وعلى هذا النهج استمرت دول الإسلام ولم يعرف خلالها حاجة لتوظيف النساء في ساحات الحروب، وما يثيره البعض اليوم من أن هذا عمل المرأة للزج بها في ميادين الاختلاط إنما هو أهواء لا تستنير بنور العلم ولا التقوى والله المستعان.

هذا والله أعلم.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة