هل شعرت يومًا أن السماء أقرب، وأن العمل الصغير يكبر والنية الخفية تُرفع، والدعاء يصعد ولا يعود إلا وقد أُجيب؟ تلك ليست مشاعر عابرة، إنها العشر الأوائل من ذي الحجة أيام اختارها الله، ورفعها فوق الأيام، وملأها بفرص لا تُضاهى.
فيها تتغير الموازين؛ فالسجدة تعادل جبالًا والصدقة تفتح أبوابًا، والدعاء يصنع قدرًا جديدًا. قال الله تعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ}. أقسم الله بها؛ فهذه العشر ليست أيامًا عادية؛ بل أيام عظيمة باركها الله وجعلها فرصة للثواب والرجاء.
لا تنتظر أن تبدأ حين تبدأ، ابدأ من لحظة النية؛ فالنية بابٌ تُفتح منه كل الأبواب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” [رواه البخاري ومسلم].
استعد كأنك داخل ساحة سباق، فيها الفائزون كثير، لكن السابقون قِلّة. رتب أولوياتك من جديد، قلّل من لغو الكلام وزِد من ذكر الله. أطفئ وقت الشاشة، وأشعل نور المصحف. ابدأ صباحك بتكبيرات، وأمسِ بختم دعوات، واجعل في كل يوم صدقة، ولو بابتسامة أو كلمة طيبة.
العشر ليست زمنًا يُستهلك؛ بل زمن يُثمّر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر”، يعني أيام عشر ذي الحجة [رواه البخاري].
هكذا كان حالهم
كان النبي صلى الله عليه وسلم يضاعف جهده في الطاعات في هذه الأيام، ويحث الصحابة على الاجتهاد، كان يزيد من الذكر، ويكثر من الدعاء، ويصوم من الأيام العشر، ويحث على فعل الخير والصدقات.
وكان الصحابة رضي الله عنهم، مثل ابن عمر وأبو هريرة، يخرجن إلى الأسواق يكبرون، وينادون الناس بتكبير الله.
وكان التابعون مثل سعيد بن جبير يجتهدون اجتهادًا لا يُقدر عليه، فهذه أيام عظيمة لها مكانة خاصة في قلوبهم.
كان السلف الصالح يُعظّمون هذه الأيام، ويحرصون على ملئها بالطاعات والعبادات. اجتهدوا في الصيام والذكر وقراءة القرآن، والقيام، والصدقة والدعاء دون تكاسل أو تقصير.
كانت مجالسهم عامرة بذكر الله، وتبادلوا الحث والتشجيع على اغتنام هذه الفرص المباركة. عرفوا قيمة هذه الأيام، فاستثمروا كل لحظة منها بخشوع وهمة عالية، حتى صاروا مثالاً يُحتذى في الاجتهاد.
كيف تستثمر الفتاة المؤمنة العشر؟
- تبدأ بتجديد نيتها، وتعلم أن كل عمل صالح تُقدّمه أجره عظيم، قال تعالى: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.
- تُخصص وقتًا للقرآن والتدبر، وتحفظ آيات صغيرة تزيد بها إيمانها.
- تكثر من الذكر والدعاء، وتدعو في صمت قلبها لأهلها وأصدقائها.
- تشارك في الأعمال الصالحة، كالصدقة، والصيام، ولو بابتسامة وكلمة طيبة مع من حولها.
- تحرص على تنقية قلبها من الغيبة والنميمة، وتتعامل برحمة ولين مع الناس.
- تستغل وقتها في النوافل والقيام، وتجعل العشر نورًا يشع في روحها.
انطلقوا نحو القمة!
هذه الأيام المباركة فرصة لا تعوض، فكل لحظة فيها كنز من الطاعات والبركات. لا تترك لليأس مجالًا، ولا تؤجل عمل الخير، فالفرص تمر سريعًا والوقت ثمين.
اجعل قلبك مشتعلاً بحب الله، وهمة لا تعرف الكلل أو الملل. كل دعاء ترفعه، وكل ذكر تلحظه، وكل عمل تقوم به يُكتب لك بأحسن صورة.
تذكر أن المجد الحقيقي هو ما تصنعه بأعمالك، وأن النجاة ليست لحظات؛ بل مسيرة مستمرة. فاستثمر هذه العشر بكل طاقتك، وكن من السابقين إلى رضوان الرحمن.
فلتكن هذه العشر الأوائل محطة انطلاقة جديدة، تتجدد فيها النية، وتشتد العزيمة، وتسمو الروح. اغتنموا هذه الأيام المباركة، فلا تتركوا الفرصة تفوتكم، فالله أكرم وأرحم، ويرى أعمالكم، ويجازيكم على صبركم واجتهادكم.
نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين، وأن يرزقنا حسن الخاتمة، ويكتب لنا ولكم فيها الخير والبركة والقبول.