سلسلة كوني أُنثى: (٣) ابتسمي، مفتاح القلوب

يا قرة العين، ويا ريحانة الفؤاد، ويا بُنيَّتي الغالية، إن من أعظم ما أوصي به نفسي وأوصيكِ به؛ بل وأجعله نبراسًا لحياتنا الزوجية وسرًا لسعادتنا الأسرية: أن تستقبلي زوجكِ حين يخطو عتبة الدار قادمًا من عمله، استقبال الفاتحين الظافرين.

وماذا قد يعني هذا الاستقبال المهيب؟ ببساطة يعني: أن يقع بصره أول ما يقع على ابتسامةٍ مشرقةٍ تنير وجهكِ كبدرٍ تمام، وأن يستنشق عبيرًا فواحًا يفوح من ثناياكِ أزكى من المسك والعنبر، وأن تسمع أذناه كلماتٍ رقيقةً تنساب من شفتيكِ كالشهد المصفى؛ لتزيلي بتلك اللحظات الساحرات ما علق بقلبه من عناء يومه وهمومه.

قد يتردد في صدركِ سؤالٌ محقٌ يا بُنيَّتي: كيف لي أن أفعل ذلك وأنا التي قضيتُ نهاري كله بين جدران البيت، أُراعي شؤون الصغار وأنوء بأعباء المنزل، حتى إذا ما أقبل زوجي كنتُ في غاية الإرهاق والتعب؟ أقول لكِ يا حبيبة: إن من أعظم ما قد عُرض على الشيخ عبد الرحمن منصور، في خدمة “البيت السعيد للنساء فقط” من مشكلاتٍ تهز أركان البيوت، لهي تلك الشكوى المريرة التي تتكرر على ألسنة الكثيرات: “زوجي أسير النظرات المُحرَّمة”، “زوجي تعرَّف على نساءٍ عبر شبكة الإنترنت”، “زوجي يُشاهد صورًا وأفلامًا إباحيةً تُدنّس بصره وقلبه”، “زوجي يتتبع خطوات الغاديات والرائحات بنظراتٍ زائغةٍ ونحن نسير جنبًا إلى جنب”، “زوجي يرمق أخواتي بنظراتٍ لا ترضي الله ولا تليق بمقام الأخوة”. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وإنني لأؤكد لكِ يا بُنيَّتي أن هذا الفعل محرمٌ شرعًا بلا أدنى شك؛ ولكنه مع ذلك يُنبئ عن عللٍ وأسبابٍ دفينة. ومن أعظم تلك الأسباب غفلة الزوج عن الجمال الحلال الذي يجب أن يجده في بيته، فإنه حين يرى فتنة العيون وسحر القوام في الخارج، يتوق قلبه لأن يجد في داره ملاذًا آمنًا وجمالًا يأسر لبّه، فإذا ما دخل الدار ولم يجد منكِ استقبال الفاتحين؛ ازداد شوقه إلى ما حرَّم الله!

فلا تقولي لي يا حبيبة: (أنا مرهقة، تَعِبة، ألهثُ وراء الصغار، ولا أملك من الأمر شيئًا، وأعاني من سقمٍ وضغطٍ… إلخ)، فإن هذه الأعذار وإن بدت منطقية؛ إلا أنها لا تُقدّم حلًا لتلك المشكلة العويصة. إننا نسعى لاقتلاع جذور المشكلة، وللتأصيل في حياتنا الزوجية بمنهج الكتاب والسنة. فهلمّي بنا نتأمل قصة أم سُليم -رضي الله عنها-، تلك المرأة العاقلة الفطنة، في موقفٍ عظيمٍ ورد في الصحيح المتفق عليه:

عن أنس -رضي الله عنه- قال: مات ابنٌ لأبي طلحة من أم سُليم، فقالت لأهلها: لا تُحدِّثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أُحدِّثه…؛ أي أنها طلبت منهم ألا يُخبروا زوجها بوفاة ابنهما حتى تكون هي من يفعل ذلك بنفسها، لتختار الوقت والأسلوب المناسبين لإخباره بهذا المصاب الجلل. فلما جاء أبو طلحة، قرَّبت إليه عشاءً شهيًا فأكل وشرب حتى ارتوى، ثم تزينت له أحسن ما كانت تتزين من قبل، وتهيأت له بأبهى حلةٍ لم يعهدها منها سابقًا، فوقع بها. فلما رأت أنه قد شبعتْ معدته وارتوتْ عاطفته، قالت بأسلوبٍ حكيمٍ: يا أبا طلحة، أرأيتَ لو أنَّ قومًا أعارُوا عاريتَهم أهل بيتٍ ثم طلبوا عاريتهم بعد حينٍ، أَلَهُم أن يمنعوهم حقهم في استعادة ما أودعوا؟ قال أبو طلحة: لا، ليس لهم ذلك. فقالت أم سليم بقلبٍ صابرٍ محتسبٍ: فاحتسب ابنكَ عند الله. فغضب أبو طلحة! وقال بلسانٍ لائمٍ: تركتني حتى تلطَّختُ، أي: حتى أكلتُ وشربتُ… إلخ. ثم أخبرتني بوفاة ابني! فانطلق مغضبًا حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما كان من أمرهِ وأمر زوجته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولًا بديعًا نطق بالحكمة: “بارك الله لكما في غابر ليلتكما”، فكانت بركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أن حملت أم سليم بعبد الله بن أبي طلحة -رضي الله عنهما-!

الله أكبر! لم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على أم سُليم ما فعلتْ؛ بل أقره وأثنى عليه ضمنًا؛ لعلمه بحكمتها وفهمها العميق لاحتياجات زوجها النفسية والعاطفية وهو عائد من عناء يومه. لقد قدّمتْ له أولًا ما يسد جوعه الظاهر، ثم أشبعتْ رغبته العاطفية، ثم باشرته بالخبر الموجع بلطفٍ وحكمةٍ.

فماذا نستفيد من هذه القصة العظيمة؟ نستفيد -يا حبّة القلب- أن تستقبلي زوجكِ وهو داخل البيت استقبال الفاتحين، استقبالًا حافلًا بالبشر والسرور. ومن أعظم الوصايا التي أزُفها إليكِ: كوني أنتِ أول من يفتح له الباب، لتقع عيناه على وجهكِ المشرق وابتسامتكِ الحُلوة التي تُذيب جليد اليوم العصيب. لا أن تكوني حبيسة المطبخ، وهو يقرعُ جرس الباب، وأنتِ تعلمين ساعة عودته من العمل، ثم تبدئين في إعداد الطعام بعد انقضاء وقتٍ طويل! لا حول ولا قوة إلا بالله!

أيا بُنيَّتي، اتقي الله في زوجكِ! لا تسهري الليل الطويل، فتُهملي استيقاظكِ باكرًا، وتؤجّلي أعمالكِ. استغلي وقت الصباح بعد ذهاب الأبناء إلى مدارسهم في ترتيب المنزل وتنظيفه وإظهاره بأبهى حُلّةٍ مُمكنة، ثم تفرّغي بعدها لإعداد الطعام الشهي بأصنافه اللذيذة لزوجكِ المُحِب وأطفالكِ حُماة الدِّين والأُمّة، اضبطي وقتكِ بحيث تكونين مُستعدة لاستقبالهم قبل وصولهم بوقتٍ كافٍ. بالذات زوجكِ يا حَبيبة، استقبليه استقبالًا يليقُ بهِ وبكِ، وأنتِ في أبهى حُلّة ممكنة، لا أطالبكِ بالتكلّف وحمل الأعباء الثقيلة؛ بل أوجّه بصركِ للأمورة السهلة الليّنة اليسيرة، واستخدام الأساليب المُمكنة المتاحة، ترتيبكِ للبيت ونظافته قبل عودة زوجكِ إليه من أهم ما وجب عليكِ البدء به، ثم نفسكِ بعد ذلك لها حق عندكِ، البسي ثيابًا أنثوية ناعمة، وضعي أحمر شفاه خفيف وبعضًا من العطر اللطيف، لتستقبلي زوجكِ استقبال الملوك؛ بل هو الملك والسلطان في بيتكِ يا عزيزة، هو رب الأسرة فعامليه عل أساس ذلك ودلليه تطِب نفسه وتقرّ عينه ويُسرّ نظره.

أما أن تكوني قبل وصوله بساعةٍ تقفين في المطبخ مشغولةً تجرين هنا وهناك وتتصببين عرقًا، ثم تندهين على أحد الأبناء ليفتح الباب لأبيه، فهذا واللهِ مما قد يؤذي قلب الزوج ويشعرهُ بالإهمال. وصدقًا، الزوج لا يرضى بمثل هذا، وكثيرٌ من الأزواج الذين تحدث معهم الشيخ في الدورات التدريبية قد شاركوهُ هذا الشعور. حيثُ يقول أحدهم: (أعود إلى البيت، وأنا في أمَس الحاجة إلى ابتسامةٍ صادقةٍ، وكلمةٍ طيبةٍ تربّتْ على كتفي، فلا أجد)!

ولذلك يا بُنيَّتي؛ من أعظم الوصايا: ألَّا تجعلي اهتمامكِ بالأبناء وشؤون المنزل يطغى على حق زوجكِ. زوجكِ عائدٌ من عالمٍ مليءٍ بالضغوطات، قد سمع فيه ما يؤذيه، أو تلقى خبرًا يُكدّر صفوه، أو ربما يحمل إليكِ مفاجأةً سارةً وينتظر منكِ استقبالًا يليق بها، أو ربما رأى في طريقه ما يُبهره ويتمنى أن يجده فيكِ. لأي سببٍ كان أو يكون، فإن استقبالكِ الحافل به هو مفتاح قلبه.

وبالله عليكِ يا حبيبة، تخلّصي من تلك العبوسة التي قد تعلو وجهكِ دون قصد، واهتمي بمظهركِ، بتسريحةِ شعركِ، ووضع لمسةٍ من عطرٍ خفيفٍ وزينةٍ هادئةٍ، وقول كلامٍ طيبٍ يثلج صدره. استقبلي هذا الزوج الكريم استقبال الفاتحين، ولا تبخلي عليه بتقبيل يده ورأسه وبين عينيه عند دخوله. ليُبارك الله تعالى لكما ويجمع بينكما في خير. وتذكري دائمًا يا بُنيَّتي، أن استقبال الزوج الكريم حين يدخل إلى البيت استقبال الفاتحين، هو من أعظم مفاتيح السعادة الزوجية.

وكذلك من أعظم الوصايا التي أزُفها إليكِ أيضًا يا بُنيَّتي: أنه عند دخول زوجكِ إلى البيت، ورميه لحقيبة عمله جانبًا، والتعب والإرهاق بادٍ على محياه، فاعلمي أن هذه إشارة واضحة إلى حاجته للراحة والاحتواء. فإياكِ أن تستقبليه بسؤالٍ مستفزٍ كقولكِ: (أأجلب لك ماءً)؟ إنه لسؤالٌ يوحي بالتباعد والجفاء! وهو القادم من صخب الحياة وهموم العمل!

بل بادري يا حبيبة إلى فتح الثلاجة وإعداد كوبٍ من العصير البارد المنعش الذي يُفضّله، سواء كان عصير المانجو الشهي، أو الفراولة اللذيذة، أو كوكتيل الفواكه المنعش، أيًا كان ما لديكِ. فعندما يجلس ليستريح، قدّمي له كوبًا من الماء البارد ليشرب ويرتوي أولًا. وبعد أن يرتشف الماء، قدّمي له كوب العصير المثلّج، والذي تداعب قطرات الندى جوانبه، وتتلألأ فيه قطع الثلج الشفافة، ليشعر بالانتعاش والراحة وكأنه في واحةٍ ظليلةٍ. ثم اجلسي بجانبه بوقارٍ وحبٍ وقولي له بلسانٍ رقيقٍ: (متّعكَ الله بالصحة والعافية يا حبيب الفؤاد، لأنتَ تتعب من أجلنا، فجزاكَ الله عنا خيرًا يا حبيبنا)، أو قولي له بصدقٍ: (واللهِ يا ابن عمي، إن الله سيُبارك لكَ في رزقكَ ويوسّع عليكَ بفضله)، أو قولي كلماتٍ طيبةً تعبر عن تقديركِ لجهده: (أسأل الله أن يجعلكَ من أهل الجنة يا حبيب قلبي)، أو مثلًا: (جمعنا الله بكَ في جنّات عدنٍ عند مليكٍ مقتدر يا بهجة عمري).

قد تظنين أن هذا الكلام اليسير لا يترك أثرًا عميقًا في قلب الرجل؛ ولكن واللهِ يا حبيبة، إن هذه الكلمات الصادقة بالنسبة للرجل لهي بلسمٌ شافٍ يأخذ بمجامع قلبه، ويقول في نفسه: (إنها حقًا تشعر بي وتقدّر تعبي، تهتم براحتي، وتشاركني همومي وأحزاني دائمًا).

ولذلك أقول يا أختي الكريمة؛ الوصية الثالثة التي لا تغفلي عنها أبدًا، هي أن لا تنسي حين يدخل الزوج إلى البيت كوبًا من الماء البارد أولًا يروي ظمأه، ثم كوبًا من العصير الفاخر المكوّن من أطيب الفواكه مع قطعٍ من الثلج تزيد من انتعاشه، واجلسي بجانبه وأطعميه بيديكِ برفقٍ، وقولي له قولًا ليّنًا، وكلمات طيبة تُريح قلبه، وليكن معكِ منديلٌ ناعمٌ تمسحين به عرقه، وأنتِ تهمسين لهُ بكلماتٍ حُلوة تزيل تعبه.

إياكِ أن تقولي لي: (هذا الكلام ضربٌ من الخيال والمثالية التي لا يُمكن أن تتحقق)! بل أقول لكِ: (لا يفعل هذا إلا الصالحات القانتات التائبات العابدات…، وأنتِ بإذن الله منهنّ).

فيا درة مكنونة، ويا جوهرة مصونة، هذا هو السبيل، وهذا هو النهج القويم. فكوني أنثى بكل ما أودع الله فيكِ من جمالٍ ورقةٍ وحنان، وستنيرين بيتكِ سعادةً ودفئًا. ولتكن هذه الكلمات نبراسًا لكِ يا بُنيَّتي. فاستلهمي معانيها وطبّقيها في حياتكِ، ففي أنوثتكِ سر جاذبيتكِ وسعادة أسرتكِ.

وإنني لواثقةٌ بأنكِ من تلك الثلة الطيبة التي تسعى للكمال والجمال في كل جوانب حياتها. فكوني تلك الأنثى الاستثنائية التي تُضيء عتمة الجفاء وتزرع بذور المودة. واسألي الله العون والتوفيق، وتذكري أن الأنوثة الحقيقية هي جمالٌ في الظاهر وبهاءٌ في الباطن. فكوني تلك الأنثى التي يرضى عنها الرحمن ويسعد بها الزوج والأهل. وتذكري دائمًا يا حبيبة، أن جوهر السعادة الزوجية يكمن في أنوثتكِ المتفردة. فكوني أنثى بكل ما للكلمة من عُمقٍ وجمال أخاذ.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة