يشاع استخدام مصطلح “الشذوذ الجنسي” في الخطاب المعاصر، سواء في الإعلام أو في النقاشات الاجتماعية، لوصف العلاقات الجنسية الخارجة عن الفطرة، وبالأخص “المثلية الجنسية lgpt”. غير أن هذا المصطلح يتضمن مغالطة لغوية وفكرية، توحي أن هذا الشخص شاذ؛ لكنه بالأصل على الفطرة والشذوذ حاله نادرة.
لذلك؛ يعتبر إطلاق مصطلح شاذ غير مناسب مع جرم الفعل؛ لأن الشاذ بالأصل على فطرة سليمة شذ قليلاً عنها وهي لا تحمل بالضرورة حكمًا قيميًا واضحًا. ولذلك؛ فإن استخدام “الانحراف الجنسي” هو الأدق لغويًا وأقرب إلى المفهوم القرآن والشرع.
في اللغة العربية: يُفهم الشذوذ على أنه خروج عن القاعدة أو النمط المألوف؛ لكنه خروج “معترف به من حيث الحدوث”، كقول: (لكل قاعدة شواذ)؛ أي أنه يُقر بوجوده ولو كان قليلاً.
وقد جاء في لسان العرب: (“شذّ الشيء: خرج عن نظائره”، ومن ذلك قولهم “حديث شاذ”، أي رواية نادرة تخالف الروايات الأخرى لكنها موجودة. وهذا المعنى لا يحمل بالضرورة دلالة سلبية أو انحرافًا أخلاقيًا، بل هو مجرد وصف للخروج عن الغالب او المألوف).
أما “الانحراف”، فهو في اللغة يدل على الميل عن الطريق المستقيم أو الحق، ويتضمن دلالة أخلاقية سلوكية واضحة. واشتقاق الكلمة من الجذر “حرف” يشير إلى الميل والتغير السلبي عن الأصل. والانحراف بذلك لا يعبر فقط عن الندرة؛ بل عن الخروج المذموم عن الجوهر السليم أو الفطرة وهذا الخروج لا يتقبله أحد ولا يستسيغه، كانحراف السيارة عن الطريق أو المسلك، حيث سيسب بذلك حادث، وهكذا الانحراف الجنسي، سيسبب فساد وأمراض وانعدام الأخلاق والفطرة. وهذا ما يجعل المصطلح أدق في التعبير عن الحكم الشرعي والواقع لهذا الفعل المحرم.
وإذا تأملنا في النصوص الشرعية، نجد أن القرآن الكريم لم يستخدم لفظًا يدل على مجرد “الاختلاف” أو “الشذوذ”؛ بل جاء بوصف صارم لسلوك قوم لوط -عليه السلام-، فقال تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ}، ووصفهم كذلك بأنهم {قوم مسرفون}، وهي أوصاف تؤكد الانحراف عن الفطرة والخلقة، لا مجرد الخروج عن المألوف. كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لعن الله من عمل عمل قوم لوط” [رواه الترمذي]، وهو نص صريح في تجريم السلوك وتجريده من القبول أو الحياد، ودلاله على الانحراف.
ومن جهة النظر اللغوية الأدبية، فإن كثيرًا من العلماء، كالدكتور إبراهيم أنيس، يؤكدون على أن الألفاظ ليست حيادية؛ بل تصوغ الوعي وتؤثر في التلقي المجتمعي. واستخدام لفظ “الشذوذ” بدل “الانحراف” قد يؤدي إلى تلطيف وقع الفعل في النفوس، وإيهام الناس أن المسألة مجرد اختلاف أو ميل نادر؛ بينما الحقيقة أنه خروج مذموم عن الحق والفطرة، كما قررته الشريعة الإسلامية والعقول السليمة، مثل من يقول: (أنت مثلي، بدل أنت منحرف أو تفعل عمل قوم لوط -عليه السلام-)، ففيه تهوين للجرم والفاحشة النكرى هذه، وتسويغه لكي يتقبله الناس تدريجيًا.
ولذلك؛ فإن التعبير بـ”الانحراف الجنسي” أولى وأوجب؛ لما فيه من وضوح دلالي وصدق تعبيري (شرعي)، وارتباط بالقيم الإسلامية والعربية الأصيلة، بعيدًا عن التمييع اللغوي أو التساهل.