وصية لفتيات الأمة

وقبل رحيلهِ، همس شيخنا الجليل، العلامة الحويني -رحمه الله-، في آذان فتيات الأمة بكلمات تحمل عبق التاريخ ومرارة العبرة، مستلهمًا درسًا بليغًا من غزوة أحد؛ حيثُ قال: (إياكنَّ أن تفعلنَ فينا مثلما فعل الرُّماةُ يوم أُحُد؛ أن تَتركن الثَّغر خاليًا فيَأتي العَدوُّ مِن قِبلكنَّ…)، يذكرهن هنا بتلك اللحظة الفارقة، حين خالف الرماة أمر الرسول ﷺ، فتركوا الثغر خاليًا، ليأتي العدو من قبلهم، ويقلب موازين المعركة. إنه نداء استغاثة وقلق، وتحذير مشفق من تكرار الخطأ ذاته، ولكن في ساحة معركة أخرى، أشد ضراوة وأكثر تعقيدًا.

يا فتيات الأمة الغاليات، إن ثغور الإسلام اليوم ليست بالضرورة ثغورًا مادية أو حدودًا جغرافية فحسب. إنها ثغور القيم والأخلاق، ثغور الهوية والانتماء، ثغور العفة والحياء، ثغور الفكر والثقافة. وكل واحدة منكن تقف على ثغرة من هذه الثغور الحساسة، تحمل أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة.

إن سلاح العدو في هذا العصر لم يعد قاصرًا على السيوف والرماح؛ بل تطور ليصبح أشد فتكًا وأكثر تأثيرًا. إنه سلاح الشهوات والشُبهات، سلاح الإعلام المضلل والثقافات الغربية، سلاح تفكيك الأسر وتمييع الهويّات. وهذا العدو يتربص بكنَّ تحديدًا، لعلمه بمدى تأثيركن في بناء المجتمع وتشكيل الأجيال القادمة.

فإياكنَّ أن تتركن ثغوركن خالية. إياكنَّ أن تتنازلن عن قيمكن ومبادئكن الأصيلة تحت ضغط الموضة الزائفة أو إغراءات الحضارات الوافدة. إياكنَّ أن تفرطن في حجابكن وعفافكن وحيائكن، فتصبحن لقمة سائغة لأصحاب الأهواء والنزوات.

إن ترك الثغر خاليًا في معركتنا المعاصرة يعني الانسياق وراء الدعوات المضللة التي تسعى إلى تغييب دوركن الحقيقي في المجتمع، وتحويلكن إلى نسخ مشوهة عن نساء لا يمُتن لقيمنا وديننا بصلة. يعني التخلي عن لغة القرآن والسنة وتبنّي مفاهيم غربية تُهدد كيان أسرنا ومجتمعاتنا الإسلامية.

تذكرن يا حاميات الثغور، أنكن لستن مجرد أفراد؛ بل أنتن أمهات المستقبل، وبنات اليوم هن صانعات الغد. بصلاحكن يصلح المجتمع، وبعفتكن تحصن الأسر، وبتوعيتكن تنشأ الأجيال على قيم الحق والخير.

إن ثباتكن على الحق وتمسككن بدينكن هو خط الدفاع الأول عن أمتكن. وعيكن بدسائس الأعداء وفضحكن لمخططاتهم هو السهم الذي يرد كيدهم في نحورهم. حرصكن على العلم النافع والعمل الصالح هو الحصن الذي يحمي ثغوركن من أي اختراق.

فلتكن غزوة أحد عبرة دائمة أمام أعينكن. لا تسمحن للدنيا وزينتها أن تلهيكن عن مسؤوليتكن العظيمة، ولا تجعلن أهواء النفس وشهواتها تقودكن إلى ترك ثغوركن خالية؛ بل كنَّ كالرماة الأوائل الذين ثبتوا على مواقعهم امتثالًا لأمر قائدهم، حريصات على حماية الحصن من أي عدوان.

يا فتيات الأمة، أنتنَّ الأمل والرجاء، وأنتنَّ القوة الكامنة التي ستنهض بأمتنا من كبوتها. فاستشعرن عظمة المسؤولية المُلقاة على عاتقكن، وكنَّ على قدر الثقة التي أولاكن إياها دينكن وأمتكن. ﷲ ﷲ أن يؤتى الإسلام من قبلكن، فاثبتن وكنَّ خير جند للإسلام، وحصنًا منيعًا في وجه كل عدو مُتربّص.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة