“النسوية” و”الذكورية”

|

وسط معترك “النسوية” و”الذكورية”، وبين سيل الاتهامات التي يُلقيها كل طرفٍ على الآخر، تناسى الجميع جوهر العلاقة التي تربط المرأة بالرجل، تلك العلاقة القائمة على الاحترام والمودة والرحمة.

فالرجل هو الأب، الحبُّ اللا مشروط، وهو الأخ، السند الذي لا يميل، والعم، الحصن المنيع، والخال، القلب الدافئ، وهو الجدُّ الحنون، والابن مضغةُ القلب، وهو الزوج، شطر الروح وتوأمها.

تنسى المرأة، من شدة غضبها تجاه الرجال، الأيامَ التي ركض فيها والدها في أروقة المستشفى قلقًا بسبب سعالٍ أصابها، أو تلك الليالي التي بات فيها أخوها مستنفرًا، يكاد يقلب البيت رأسًا على عقبٍ لسوءٍ مسَّها، أو اللحظة التي قذفها فيها جدُّها في الهواء طفلةً، فشعرت للحظةٍ أنها طيرٌ يُحلِّق، قبل أن تتلقفها ذراعاه بكل حبّ. تنسى الزوجَ الذي كان معها في الشدة، في المرض، في الحزن، يسندها، يقوّيها، يحتويها.

وينسى الرجال، وهم يضعون ساقًا على ساق، يُطلقون الشتائمَ ويسفِّهون النساء، أن هذه المرأة التي يحتقرونها هي الأمُّ التي حملتهم وهنًا على وهن، ثم جلبتهم إلى الحياة بشقِّ الأنفس، وشعرت وقتها من شدة المخاض أن روحها تنشطر نصفين. هي اليد التي حمَّمت، وربَّت، واحتضنت، ونظَّفت. هي الأخت، رفيقة الأيام، صديقة الطفولة، التي خافت وبكت لألمه قبله هو.

هي الجدة التي دلَّلت، واحتوت، ودعت. هي الخالة، الأم الثانية، والعمة، قطعة القلب. وهي الابنة التي يراها تكبر أمام عينيه، فيودّ لو يُخبِّئها في مقلتيه. هي الزوجة التي ستمسك بيده ليقطعا الطريق سويًّا، تمسح على شعره لتزيل عنه تعب الأيام، وتربّت على كتفه في الضيق والحزن.

لكن الطرفين يتجاهلان كلَّ هذا، ويشعلان حربًا ضارية، يقع فيها الجميع، فيُعالَج الغلوُّ بالغلو، والتطرّف بالتطرّف.

وأنا هنا لا أقصد المزاح والنكات البسيطة التي تُقال على سبيل الدعابة، ولا أنكر أن البعض قد عانى؛ فليست كل فتاة وُجد في حياتها رجالٌ أحبوها وأمَّنوها، كما أن ليس كل فتى غمرته النساء بحبِّهن وعطفهن.

ويلعب التحرشُ دورًا كبيرًا في كره الجنس الآخر، كما تلعبه القصص الفاشلة التي يتناقلها الناس، والنقاشات الحادة بين “النسوية” و”الذكورية”.

وما أريد قوله للجميع هو: صدقوني، هناك حكاياتٌ سعيدة، ملؤها الحب والمودة والرحمة والاحترام. هناك عائلاتٌ فرِحة، جدرانُ بيوتهم عبارةٌ عن أحضانٍ دافئة. هناك زواجٌ ناجح، لا يُظلم فيه أحد.

لكن الإنسان بطبيعته يروي خيباته أكثر مما يروي سعادته، فهو إن نجح في عشرة أشياء وفشل في واحد، لن يرى سوى الفشل. ولهذا تطغى قصص الخيانة على الوفاء، والحزن على السعادة، والألم على الأمل.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة