وقفات مع الأنبياء (زكريا عليه السلام)

|

وقع اسمه بينهم في القرعة ليتكفل بمريم، فهاج قلبه ليكون هو؛ شيخٌ كبير، نبيٌّ من الأنبياءِ، لم يُرزق بالولد، فوضع اسمه معهم في رعايةِ مريم عليها السلام.
تكرّرت القرعة، وتكرّر معها اسمه، وكان نصيب مريم له.
فرح بذلك، واهتمّ بشأنها، وكان يتفقّدها في المِحراب بين الحين والآخر ليطمئنّ على حالها.

يأتي زكريا فيجد مريم جالسة في زاويتها، وطعامٌ عندها، فدُهِش زكريا وتساءل:


﴿يَـٰمَرۡیَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا﴾ – من الذي يأتيكِ بهذا الطعام؟

فأجابته مريم:

﴿هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ﴾

تأمّل زكريا الآية وخاطب نفسه:

﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ﴾

ثم ذهب يناجي ربه أن يرزقه ولدًا يكون له عونًا وسندًا؛ فقد خارَت قواه، واشتعل رأسه شيبًا، فقال بقلبٍ مُتبتّلٍ خاشع:

﴿رَبِّ هَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ ذُرِّیَّةࣰ طَیِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ﴾

ناجى الله بصدقٍ، ناداه نداءَ الحبيبِ لحبيبه، فما لبث أن جاءته البُشرى:

﴿فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَهُوَ قَاۤىِٕمࣱ یُصَلِّی فِی ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحۡیَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَیِّدࣰا وَحَصُورࣰا وَنَبِیࣰّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾

وقف زكريا مُندهشًا من عطاءِ الله غير المحدود، وأسئلته تنهش في رأسه:

﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَقَدۡ بَلَغَنِیَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣱۖ﴾

قال: أنا شيخ كبير لا أستطيع الإنجاب، وزوجتي عاقر، فجاءه الاطمئنان يناديه:

﴿كَذَلِكَ ٱللَّهُ یَفۡعَلُ مَا یَشَاۤءُ﴾

فلا تسأل عن شيء قد كتبه الله لك؛ الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، هو القادر على كل شيء، القادر على إحياء الموتى، فلا تقنط من روح الله.

لم يفرح زكريا بالبشرى فقط، بل طلب من الله أن يجعل له آية:

﴿قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّیۤ ءَایَةࣰۖ قَالَ ءَایَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أیَّامٍ إِلَّا رَمۡزࣰاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِیرࣰا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِبۡكَـٰرِ﴾

قال السعدي في تفسيره: أي علامة على وجود الولد، فقوله تعالى:

﴿ءَایَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أیَّامٍ إِلَّا رَمۡزࣰاۗ﴾

أي: يُحبس لسانك عن كلامهم من غير آفة ولا مرض، فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز.

وهذا آية عظيمة؛ أن تُمنع من الكلام مع سلامة الجوارح.
وفي ذلك مناسبة عجيبة، وهي أنه كما يمنع نفوذ الأسباب مع وجودها، فإنه يوجدها بدون أسبابها، ليُبيّن أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره.

فامتنع من الكلام ثلاثة أيام، وأمره الله أن يشكره ويُكثر من ذكره بالعشي والإبكار، حتى إذا خرج على قومه من المحراب:
﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ أَن سَبِّحُوا۟ بُكۡرَةࣰ وَعَشِیࣰّا﴾
أي: أول النهار وآخره.

ومن هنا نتعلّم ألّا نيأس من الدعاء والتضرع لله، فمهما كان الواقع لا يوحي بأي تفاؤل، فإن قدرة الله أعظم. الله قادر أن يُغيّر الموازين كيفما يشاء، وكلُّ شيء يأتي في وقته المناسب.

فلنُكثر من ذكر الله، فقد

قال الحسن البصري رحمه الله:
«تفقّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتم فاحمدوا الله، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق».

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة