“حفظ الدين والهوية: مواجهة التصريحات المضللة”

|

بسم الله الرحمن الرحيم، قبل التحدّث عن مثل هذه الأقوال المنحرفة عن حقيقة الدين، يجب على كل مسلم أن يكون واعيًا بخطورة هذا الخطاب، وأن يسعى لردع مخططاتهم وكشف زيفهم، فزاحِموا أهل الباطل حتى يتبيّن الحق.
هؤلاء أصبح لديهم داعم كبير، يُجرّ الكثير من أبناء جِلدتنا إلى ظلالهم، خاصة فئة الفتيات، عبر خطابات ناعمة ظاهرها الرحمة وباطنه التغريب والانحلال.
ومن أكثر ما يُغَرَّد به هؤلاء “المنبطحين المميعين” ويزداد رواجه في مواقع التواصل الاجتماعي، لإحباط أي مسلم عائد (معتنِق جديد للإسلام). وإني لن أوفي كل نقطة وشبهة حقها، لكنه موضوع بات في نفسي لكثرة رواجه، ورأيت فيه تغريدة تستنكر على المعتنِقة هذه النقاط التي سأذكرها لاحقًا.. ووالله إنها نقاط بها العجب العجاب!

١ ـ القول بأن الإسلام يمكن أن يُمارس دون حجاب أو صلاة أو التزام، ويكفي أن يُقال “أنا مسلمة”:

الرد:

صحيح أن الإسلام لا يشترط تغيير الاسم إلا إذا كان شركيًا أو يحمل معنى فاحشًا أو قبيحًا… الخ، لكن تغيير الاسم يُبرز الهوية والانتماء لهذا الدين العظيم.
الاسم جزء من الهوية الثقافية والدينية، ومن الأفضل أن يكون متوافقًا مع تعاليم الإسلام، كما فعل الصحابة حين غيّر النبي ﷺ أسماءهم المخالفة للشرع.
قال ابن القيم: “تغيير الاسم من الأسماء الجاهلية إلى الأسماء الإسلامية من سنن الإسلام الظاهرة”.
فالاسم هو واجهة الهوية الأولى.

٢ ـ الادعاء بأن الحجاب ليس جزءًا من الإسلام، وأنه يمكن فصله عنه، وأنه ليس شرطًا في الدين:

الرد:

الحجاب فريضة لا خيار فيها، ولن أتطرّق لحكم الحجاب شرعًا لأنها مسألة مسلّم بها ومعروفة.
الإسلام ليس قولًا فقط، بل فعلًا أيضًا، والحجاب أصل من أصول دين المرأة وهويتها، وهو الفارق بينها وبين سائر الكافرات.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}
وقال أيضًا: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ…}

الادعاء بأن الحجاب ليس فرضًا، وكأن الله أمر به للجن والعفاريت فقط، فيه تهكّم واضح على النصوص الشرعية.
الحجاب ليس مجرد زي، بل هو عبادة، وهو من الصفات الحميدة التي أخذ بها الإسلام مع الأحكام الشرعية التي وضعها، وهو هوية أيضًا وموضع اختلاف بين المسلمة الحُرّة وغيرها.

٣ ـ القول بأن المرأة المسلمة يمكن أن تبقى في مجتمعها الأصلي غير المسلم دون أن تتأثر أو تتغير، وكأن الإسلام لا يفرض عليها الانتماء للمجتمع المسلم:

الرد:

الإسلام كلٌّ لا يتجزأ، وهو نظام حياة شامل يبدأ منذ أن نفخ الله الروح في الجنين ويستمر حتى بعد الموت.
لا يصح أن يُؤخذ الإسلام انتقائيًا، بل يجب أن يُعاش كما أراده الله، لا كما أراده الناس، والمحيط من أكبر نماذج التغيّر والانصهار.
ونحن لسنا ملائكة حتى لا نتغير، ونحمد الله أنه أوجدنا في مجتمع مسلم رزِين حفظ لنا ديننا بعده سبحانه. فلو كنا في مجتمع غير مسلم، هل نَسلم من الانحراف؟
قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}
من يستسلم لله، لا ينتمي إلا للمجتمع المسلم، ولا يصح أن يُقال “أنا مسلمة” دون صلاة أو حجاب أو التزام (أُمّة واحدة).

٤ ـ القول بجواز بقاء المسلمة مع زوجها الكافر، وكأن اختلاف الدين لا يؤثر على العلاقة الزوجية:

الرد:

الزواج من كافر محرّم شرعًا، لا يجوز للمسلمة الزواج من كافر، قال تعالى:
{وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}
عهد الزواج في الإسلام قائم على الإيمان، ولا صلاح في بيت لم يُبن على مبدأ الإسلام.
من ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه، كما قال ﷺ: «من ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه».
والحب لن يصنع زواجًا ناجحًا؛ فالزواج عقد تُبنى عليه مسؤوليات كثيرة، وليس الحب فقط.
فأصل تشريع الزواج هو عبادة الله، وأنس ومحبة ورحمة وبيت وأسرة تقيم أمر الله وتعبده.
فمن يختلف معي في الدين والعقيدة والقيم، كيف سيربّي؟
هذا ليس مرتع حظيرة، إنه زواج مشروع تربوي قائم على الاثنين، وليس تناحرًا مختلفًا.
المسلم يجب عليه التضحية لأجل دينه، فلماذا أصبحنا أناسًا تمتلئ نفوسهم بالهشاشة؟
حينما ضحى النبي ﷺ وصحابته والتابعون بأنفسهم لله، استقام أمرهم ودينهم، واستقامت الأمة وكانت هي حاضنة الأمم ومصدر الفخر.
هم تنازلوا وضحّوا بالأموال والدماء، فلن نتنازل أنا وأنت عن بعض الأمور التافهة؟

٥ ـ الادعاء بأن من أسلم حديثًا يمكنه أن يُفتي ويُقرر في أمور الدين دون علم أو رجوع لأهل الذكر:

الرد:

الفتوى ليست لكل أحد، ومن أصبحت مسلمة لا تُصبح مفتية، ولا يُؤخذ الدين من الساسة أو المغتربين.
فإذا كان هذا المبدأ لاندثر الدين من قديم الزمان كما اندثرت المسيحية واليهودية.
المسلم الجديد عليه أن يتقن عقيدته وأركان دينه أولًا رويدًا رويدًا، ولو أن أحد المسلمين قال له: لا تفعل، هذا حرام، لصرخ هؤلاء: “إنه مسلم جديد!” وكفاكم تنطّعًا.
لكن أن يُفتي؟ فلا بأس عندهم!
دين الله ليس لعبة يأخذها كل من هب ودب، والفتوى والاجتهاد شروط وأحكام، ولا أنا ولا أنت بلغنا قدر ١٪ من علم وشرط الاجتهاد والإفتاء.
قال تعالى: {فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ}
لا يُؤخذ الدين من منابر السياسة أو من أفواه من يرقّعون أخطاءهم ليُرضوا الناس، بل من العلماء الربانيين ورثة النبوة.

٦ ـ القول بأن العرب لا يُؤخذ منهم الدين، وأنهم ليسوا أهلًا لحمل الرسالة، وأنهم أقل أخلاقًا من الغرب:

الرد:

العرب ليسوا عيبًا، بل فضّلهم الله بالرسالة.
النبي ﷺ بُعث في العرب، وهم حملوا الرسالة، فلا يُذمّون لأنهم عرب.
ويفخر العرب بحملهم الرسالة، وهذا فخر محمود، فهم بعد الله أحد أسباب نشر الدين وحمله إلى العالم.
واللغة العربية بها حُفظ هذا الدين، وبها افتخر العرب، فإذا ضاعت ألسنة العرب ضاعت اللغة وضاع الدين.
قال ﷺ: “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم” [رواه مسلم]
ولا يخفى على أحد مكانة العرب؛ فهم أهل نخوة وشهامة، وأخلاقهم يعرفها القاصي والداني، فلا يُعمّم الذم بسبب بعض الجهلة.

ختامًا:

من يقدح في الحجاب أو في أحكام الزواج أو في تطبيق الإسلام، فليأتِ بدليله من القرآن والسنة.
قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}
أما الكلام المعسول الذي يُقاد به ضعاف الإيمان، فهو خطر على من أسلم حديثًا، ويجب التحذير منه والرد عليه.

اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك،
اللهم وفّقنا للتمسك بتعاليمك،
واحفظ شبابنا وفتياتنا من الانحراف،
واجعلنا من الذين يطبّقون الدين بالقول والفعل،
ويكونون قدوة صالحة في الأرض،
اللهم عافنا مما ابتليتَ به غيرنا،
اللهم اجعل صفحاتنا بيضاء عندك،
ولا تجعلنا ممن يُضلّون عبادك عن سبيلك،
اللهم اجعلنا من أهل الحق، وانصرنا على أهل الباطل،
اللهم اجعلنا ممن يُظهرون دينك، ويذبّون عنه، ويُحسنون تمثيله.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة