كاريزما أهل السّبق

أهل السّبق هم قوم طارت بهم هممهم، وحلقت بهم فوق السحاب، لا يليق بهم إلا أن يناطحوا العلا، وأن يكونوا مع الجبال جبالاً. لا يعرفون كلّاً ولا مللاً؛ فهم من حالٍ إلى حال، ومن مقامٍ إلى مقام. كالنحل؛ موطئهم ورد وريحان، وزهر وأقحوان، وعطاؤهم عسل مصفى، فيه شفاء للناس ولذة للشاربين.

أهل السبق هم خاصة الخاصة، لا يشبهون غيرهم؛ فهم أصحاب الكاريزما التي أعجزت عامة الناس.

فذاك عمير بن الحمام الأنصاري، لما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر: “قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض” فقال: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: “نعم” قال: بخ بخ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يحملك على قولك بخ بخ؟” قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: “فإنك من أهلها”.

فأخرج تمرات من قرن، فجعل يأكل منهن ثم قال: لإن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة! فرمى بما معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل. لم يصبر على أكل التمرات؛ وفي داخله فرس جموح في ميدان المسابقة، “وإنها لحياة طويلة”!

كنت سمعت عن زوجة الداعية الكويتي عبدالرحمن السميط رحمه الله، تلك المرأة الفاضلة التي تبرعت بكل ثروتها في سبيل الله، ولم يكن لها إلا ثوبين ترتديهما، وقد خاطتهما بنفسها.

لعل أغلب الناس لن يقدر على فهم أو استيعاب موقفها هذا، ولن يتصوّر نفسه فاعلاً ذاك؛ بل منهم من يراه غباء أو سوء تصرف في المال. ولا عجب في ذلك؛ فزوجة السميط من أهل السبق وأصحاب الكاريزما التي تعجز عامة الناس؛ إذ أنها رأت الفضل والخير كله عند الله، فزهدت فيما بين يديها، “وإنها لحياة طويلة”!

أهل السبق لا يفكرون مثل العامة، وشغلهم الشاغل ميدان المسابقة، وكيف يكون لأقدامهم خطوات عملاقة تقربهم أكثر. يعملون أعمالاً قد لا تخطر على بال أحد، كأن يدعو أحدهم لمن ظلمه وتسبب له بالأذى، فيلهج لسانه بكل دعوة خير له في الدنيا والآخرة، أو أن يكون ماشياً في الطريق وقد رأى رجلاً لا يعرفه، قد انشغل بعمله وكسب رزقه؛ فيدعو له بينه وبين نفسه بكل خير ونجاح وسداد ورزق، أو أن فقيراً يمتدح أمامه صاحب الفضل المجهول الذي يعينه على نفقاته ومرضه، ولا يدري الفقير أن هذا الذي يقف أمامه هو صاحب الفضل.

أهل السبق عندما ينغمسون في أعمال الخير والتطوع؛ فإنهم ينسون أنفسهم وحاجاتهم من مأكل ومشرب ونوم، ذاك أن لذة العطاء طغت على ألم فقد تلك الحاجات فلم يشعروا بها.

ومع كل هذا؛ فإن أهل السبق يدركون أن أعمالهم ليست من توصلهم لأعلى المقامات؛ فيتجردون من كل حول وقوة، ويسألون الله في انكسار وذل أن يوفقهم إلى كل عمل يسابقون به ولا يحرمهم ذلك الفضل.

اللهم اجعلنا منهم.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة