دائماً ما أتذكر هذا الوعيد من الشيطان الرجيم لبني آدم حينما أجد شخصاً يرفض ويعادي سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يفعلها هي هي ويفرح بها ويزود عنها حينما تكون “الموضة”.
أرى هنا الخذلان لذاك العبد متجلياً؛ لكن ذاك الوعيد لا ينفك أبداً عن طرق عقلي حينها، ليس لأنه وعيد من الشيطان فقط، فقد توعدنا بالكثير؛ وإنما للمهانة التي صحبت توعده!
فلفظ الاحتناك يعني: وضع الراكب اللجام في حنك الفرس ليركبه ويسيره، فهو هنا تمثيل لجلب ذرية آدم إلى مراده من الإفساد والإغواء بتسيير الفرس على حب ما يريد راكبه.
فكأن هذا الشخص هو الدابة التي يلجمها الشيطان ويمتطي ظهرها ويسيرها حيث شاء، بدون أدنى مقاومة منها ولا ذرة تعقل أو تفكير في الأمر.
تخيل إنساناً يرفض سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تقصير الإزار ويستهزئ بها، ثم هو يرتدي “البرمودا” و”الشورت” بمنتهى الفخر والاعتزاز. تأمل حال إنسان يرفض إعفاء اللحى وينعتها بأبشع النعوت ويصم فاعلها بأقبح الوصوم، ثم هو يعفي لحيته من باب إتباع موضة الـ”ديرتي لوك”.
نفس الحال بالنسبة لموضة الـ” أوفر سايز”، تُنعت المسلمة الحيية التي تتقي الله عز وجل في لباسها وحشمتها بالرجعية والجمود والتخلف؛ بينما تكون منفتحة وأنيقة وجميلة إذا فعلت ذات الأمر من باب إتباع الموضة. وأخيراً رأينا ما لم نتوقع رؤيته يوماً، يظهر مقنع يغطي وجهه يحيي حفلات تعج بأنواع المعاصي والمنكرات، يتلقفه ثلة من الناس بالبِشر والترحاب والتشجيع والاحتفاء؛ بينما تُحارب المنتقبة وتُكال لها الكثير من الاتهامات بسبب نقابها.
أليس هذا احتناك من الشيطان لتلك الفئة من بني آدم؟
معلوم أننا في زمان الغربة، وأن المستمسك فيه بدينه كالقابض على الجمر، والأمر ليس مغرم فقط؛ بل إن الصابر المتمسك بأمر دينه له أجر كأجر خمسين من الصحابة. فتلك الحرب الشرسة التي يخوضها القابض على دينه تستحق، وأي ألم وابتلاء في سبيل الله عز وجل يهون.
ومعلوم أننا في زمان أسعد الناس فيه لكع بن لكع، ذاك التافه عديم النفع تجده مشهوراً غنياً آمناً منعماً؛ بينما المتمسك بدينه بتوفيق الله عز وجل له وفضله عليه، خائف يترقب كحال الأنبياء سابقاً والصالحين، فتلك زيادة على أنها سمة آخر الزمان؛ فهي سنة تجري على من هم أفضل منا حالاً ومقاماً.
لكن تبقى حالة احتناك الشيطان لتلك الفئة الآبقة عن أمر الله عز وجل، حالة عجيبة تثير الشفقة أحياناً، وتثير الدهشة أحايين. ذلك أنها حالة عجيبة خلطت بين انعدام العقل والخذلان والكبر المبالغ به على غير حق، ثم جرأة عجيبة على الله عز وجل وشرعه.
وتبقى فكرة استهزاء الشيطان بتلك الفئة وهو كبيرهم الذي علمهم البغي والكبر وظلم النفس وإيقاعها في المهالك، فكرة مضحكة مبكية؛ فهؤلاء لا كرامة لهم مهما ادعوا أو امتلكوا دنيا فانية؛ إلا أن يتوب الله عز وجل عليهم.
وتبقى فكرة الحياة في معية الله عز وجل وولايته، والاهتداء بنوره هي أكثر فكرة مطمئنة تجلب الأنس والسكينة للنفس مهما احلولك الظلام، وتساقطت في براثن الشيطان الأنام.
ويظل طريق الحرية واحداً لا بديل له، وهو العبودية التامة لله عز وجل وحده لا شريك له، وذاك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.