لدينا بديل الأنمي، فهل لديك ثمنه؟

|

المقدمة:

يسيطر علىٰ نفسية الإنسان الحديث نوع من الغرور الإنساني الذي يجعله يؤمن بأنه يمثل النسخة الأكثر تطورًا في تاريخ البشرية. وحتى عند اكتشاف حضارات قديمة ذات علوم متقدمة، سرعان ما يُحوَّل هذا الاكتشاف إلى ساحة صراع بين الشعوب تحت شعار: “أجدادي أم أجدادك أفضل؟”، بينما مؤسسات الغرب تبسط نفوذها بهدوء؛ لنهب ثروات الجميع.

وعندما يحققون اكتشافات كونية جديدة، تُنتزع هذه الاكتشافات من سياق التفكر في عظمة الكون وخالقه، وتُختزل في تمجيد أجهزتهم المتطورة والتفاني المزعوم لعلمائهم “الأجلاء”.

التأصيل:

لكن من أخطر آثار هذا التكبر على نفسية بعض المسلمين أنه أفرز تصورًا خفيًا، لا يُعبر عنه صراحة، لكنه يظهر في الأفكار والسلوكيات، وهو تصور يتعلق بـ”العلاقة بين الله والدين”.
كما تبنى الكفار مبدأ فصل الدين عن الدولة، تفشت لدىٰ بعض المسلمين تصورات تَفصل الله  -عز وجل- عن شريعته.
هؤلاء يؤمنون بأن الله هو خالق الخلق جميعًا وإلههم إلىٰ قيام الساعة، لكنهم يرون أن شريعته قد تصبح قديمة بمرور الزمن؛ بحجة أن العقل الإنساني يتقدم ويخترع ويتطور؛ مما يتطلب من الشريعة أن تواكب ذلك.

وقد ولّد هذا التصور اضطرابًا لدىٰ بعض الجهلة المتصدرين باسم العلم والدين، فأصبحوا يروّجون لفكرة أن الإسلام يجب أن يواكب العصر بأي ثمن؛ فظهرت محاولات لتسمية الأشياء بغير مسمياتها لتفادي التحريم الشرعي، أو الالتفاف علىٰ النصوص الشرعية وليّها لتتماشى مع الأهواء، متذرعين بأن الدين مرن وصالح لكل زمان ومكان.
بل وصل الأمر إلىٰ تحريف أصول الإيمان؛ بدعوىٰ أن الإيمان في القلب فقط، وأن الالتزام بأحكام الشرع ليس ضروريًا!

نظرة القلق تجاه الشريعة مقابل التطور الدنيوي:

ستلاحظ آثار هذه النظرة المضطربة في كل مرة يظهر فيها اختراع جديد، أو تُعلن فيه اكتشافات علمية؛ حيث يصاب بعض المسلمين بالتوتر، وينظرون إلىٰ الشريعة بنوع من القلق، ولا أقول ريبة، حاشا للمؤمن أن يرتاب في دينه، ولكنهم يتساءلون: كيف ستتعامل الشريعة مع هذه العلوم الحديثة والاكتشافات المخيفة؟

فبين الحديث عن نيازك قد تصطدم بالأرض، أو ثقوب سوداء تبتلع كل شيء- تبرز تساؤلات عن مدى تأثير هذه الاكتشافات على العقيدة، خصوصًا فيما يتعلق بقيام الساعة وأشراطها.
ثم تأتي التطورات المذهلة في الذكاء الاصطناعي والروبوتات؛ ليُثار سؤال جديد: كيف يمكن للشريعة أن تواكب العقل الحديث الذي يبتكر كل يوم ما كان يُعتبر من ضروب الخيال؟

أسباب النظرة القلقة:


١- المتصدرون الجهلة:


يعود جزء كبير من هذه النظرة إلىٰ تأثير الجهلة الذين يتصدرون المشهد الديني.
المسلم البسيط، إذا ما شعر بالريبة تجاه شيء جديد، يستفتي هؤلاء؛ فيُفتونه بجواز ما هو باطل، بحجة مواكبة العصر.
هؤلاء المتصدرون يحملون بداخلهم خوفًا خفيًا: أنهم يعلمون أن هذا الدين حق، لكنهم يرون أن أحكامه لا تتماشى مع هذا الزمن؛ لذا يفضّلون التنازل، تحت ذريعة جذب الناس إلىٰ الإسلام، ولو علىٰ حساب الأصول..

وقد حذر النبي ﷺ من هذا الحال؛ فقال:
“إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.”
[رواه البخاري ومسلم].


فيفرح العامي بهذه الفتوىٰ التي تلبي رغباته، ولا تصطدم مع هواه.
ولكن فطرته -مهما حاول كبتها- تستشعر التنازل الذي قام به المُفتي -غير المتشدد بزعمه-مما يترسخ في ذهنه أن هذا الدين قديم، وأنه لولا اجتهادات المتساهلين لما استطاع الناس التوفيق بين الدنيا والآخرة.

٢- المناهج التربوية:


من الأسباب الأخرىٰ لهذه النظرة القلقة: المناهج التربوية التي رسمت صورة الكافر وكأنه رجل بدائي يعيش في الصحراء، يرعىٰ الإبل، ويحلف باللات والعزىٰ، واسمه “أبو جهل”.
وعندما يصطدم المسلم بواقع يرىٰ فيه الكافر متقدمًا في العلوم والتكنولوجيا، يطوّر الصواريخ والمركبات الفضائية- يصاب بحيرة!
والأمر ليس كذلك فكل الكفار على مرّ العصور كانوا أهل معرفة ومواكبة لزمانهم فيما يخص الحياة الدنيا
فلا فرق بين الكافر القديم والكافر الحديث في بسط الدنيا لهم، فلا وجه للانبهار بحال الأخير!
وقد وصف الله حال هؤلاء الكفار عمومًا؛ فقال:


﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ.﴾
[الروم: 7].

٣- تأثير الإعلام:


الإعلام -وخاصة المسلسلات الدينية التي تمثل حياة الأنبياء والصالحين- له دور كبير في ترسيخ فكرة أن الدين مرتبط بعصور قديمة “متخلفة”.
هذه المسلسلات، بغض النظر عن مقاصدها، اختزلت رسالات التوحيد في شكل بدائي، متجاهلة أصل الرسالة الأهم: معرفة الله عز وجل.

النار التي منعها الله من حرق إبراهيم عليه السلام هي ذاتها النار التي نعرفها اليوم.
البحر الذي انشق لموسى عليه السلام هو بحر من بحارنا.
والكعبة التي حماها الله بطير أبابيل هي الكعبة التي نزورها اليوم؛ فلماذا نؤمن بقدرته حينها ونقلق اليوم؟!

العقل الذي ألهمه الله ترويض الفيلة ليهدموا الكعبة، ثم صرفهم عنها- هو نفسه العقل الذي ألهمه صنع الذكاء الاصطناعي والخوارزميات. ولكن هذا العقل يُختبر ليُنظر ماذا سيعمل به: طاعة أم فتنة.

النفس والشريعة: تعظيم الله في كل زمان ومكان

علىٰ المسلم أن يتفقد نفسه ويراقبها، ويعاين أحوالها بكل يقظة، متىٰ لاحظ بوادر انحراف أو تهاون؛ فإن فَصَلَ بين تعظيم الله وتعظيم شريعته، فهذه مصيبة لا تُضاهيها مصيبة!

ومن أوجه مراقبة النفس وتذكيرها: أن نتأمل في عظمة الله الخالق، القيوم القائم علىٰ الخلق، الذي شرع لكل أمة ما يلائمها من أحكام وشرائع.

إذا كان أصل الدين الذي جاءت به الرسل جميعًا واحدًا، وهو (التوحيد)؛ فإن الشرائع التي حملها الأنبياء كانت مختلفة، وقد يحل الله أمرًا في شريعة لحكمة، ويحرمه في أخرىٰ لحكمة.
وهذا التحليل والتحريم مفروض إلىٰ أن يأتي رسول جديد بوحي، يُقر ما يقر وينسخ ما ينسخ.

وظل الأمر كذلك حتىٰ أرسل الله محمدًا ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين إلىٰ الناس كافة، بعد أن كان كل نبي يُبعث في قومه خاصة، قال الله تعالى:


﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾
[الأعراف: ١٥٨].

وبهذا ختم الله الرسالات؛ فلا يُبعث رسول من بعده، ولا يبطل شيء من شريعته حتىٰ تقوم الساعة.
حتىٰ إن عيسىٰ -عليه السلام- حين ينزل في آخر الزمان -كما أخبر المصطفى ﷺ- فإنه لن يحكم بشريعة التوراة أو الإنجيل، بل سيحكم بالقرآن الكريم.

صلاحية الشريعة إلىٰ يوم القيامة:

إن صلاحية الشريعة المستمدة من القرآن والسنة لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة- هي أصل من أصول الدين؛ فمن كذّب بهذه الحقيقة فقد جحد عموم رسالة محمد ﷺ، التي تشمل كل زمان ومكان؛ والله تعالىٰ قال :


﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾
[سبأ: ٢٨].


الله -عز وجل- هو الحكيم العليم، اللطيف الخبير، الذي لا تخفىٰ عليه خافية في السماوات ولا في الأرض، قال تعالىٰ:


﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾
[الأنعام: ٥٩].


الخلق خلقه، والشرع شرعه، فمن شكك في شرع الله؛ فقد شكك في علمه وحكمته، قال سبحانه:


﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[النور: 19].

من تأمل في الشريعة الخاتمة؛ علم يقينًا أنها لا تخاطب جماعة بعينها، أو بيئة محددة، أو زمانًا خاصًا، وإنما جاءت تخاطب الإنسان بفطرته؛ التي لا تتبدل ولا تتحور، قال تعالىٰ:


﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾
[الروم: 30].


هذا الدين القيم هو دين الفطرة؛ ولذلك تناولت الشريعة الخاتمة حياة الإنسان بجميع أبعادها، وفي كل جوانب نشاطها.
وضعت المبادئ الكلية والقواعد الأساسية للأمور التي تتغير بتغير الزمان والمكان، ووضعت الأحكام التفصيلية للأمور التي لا تتغير.

فكل ماسبق يعتبر نقاط أساسية نستصحبها في حديثنا لفهم موضوع البديل، ونعرف القواعد التي علىٰ أساسها نختار ولانُخدع، وذلك يكون:

  • بتعظيم الله -عز وجل- ومعرفته حق المعرفة.
  • تعظيم شرعه، واليقين بصلاحيته لكل زمان ومكان.
  • الحذر من التكبر الإنسانوي، وآثاره علىٰ نفسية المسلم

صناعة الترفيه، وأزمة البديل

أي نقد نوجهه نحن أو غيرنا؛ للتوعية والتبصير بكارثية عالم الأنمي والرسوم المتحركة عمومًا، لا يلبث أن يعقبه سؤال يتكرر على ألسنة الكثيرين: “حسنًا، ولكن ما البديل؟”

وعندما تسأل هؤلاء عن تصورهم لما يمكن أن يُقترح كبديل، فإن معظمهم -إن لم يكن كلهم- يتوقع محتوى رقميًا بصريًا جذابًا، مشروطًا ببعض الضوابط ذات الطابع الإسلامي أو الوطن

فلنُحاكم هذا التصور استنادًا إلىٰ الأصول التي سبق ذكرها سابقًا في أخر المنشور
سنجد أنه يُطابق تمامًا ما يفعله بعض أدعياء العلم عندما يفتون العوام، فلا يقدرون على تخيل بدائل خارجة عن نطاق النموذج الغربي؛ فأين التفرد، والعزة بشريعة هذا الدين؟

صناعة الترفيه وفهم الدولة الحديثة:

حتىٰ نفهم لماذا يخطر في أذهان الكثيرين هذا التصور “الجذاب” للبديل، يجب أن نفهم أولًا طبيعة صناعة الترفيه، كونها لا تُفهم إلا بفهم الدولة الحديثة.
فالدولة الحديثة قائمة علىٰ روح التّكبر الإنسانوي (Humanism) الذي يجعل الإنسان مركزًا لكل شيء، بالإضافة إلىٰ النزعة الرأسمالية الاستهلاكية.
الدولة الحديثة تتلاعب بعيشك، واختياراتك، وتفرض عليك نمط حياة مرهق يضمن استمرار أطماع أربابها الرأسمالية، ولكنهم أعطوا للناس متنفسنا ترفيهيًا يتكسبون من وراءه، تخديره يشابه تخدير الألعاب الأولمبية اليونانية
فدخل الترفيه الكروي، والترفيه السينمائي، والتلفزيوني، والإلكتروني
فازدهرت صناعة الترفيه بدعم من الدول؛ وأصبحت الملهيات تملأ حياة الناس، بأشكال متعددة
وبتزامنها مع ثقافة الاستهلاك، صار الناس في حالة لهفة مستمرة للجديد، سواء كان ذلك في الملابس، أو الأطعمة، أو القنوات، أو الأفلام.
هذه الثقافة التحفيزية الدائمة، صنعت حالة من “الملل السريع”، وطلب الجديد والفريد، وفقدان الصبر حتىٰ علىٰ أبسط الأمور الطبيعية

الإدمان النفسي وصناعة الملل:

لقد أدخلتنا هذه المنظومة في حالة إدمانية مشابهة لإدمان المخدرات؛ فكما يحتاج مدمن المخدرات إلىٰ أنواع أقوى بمرور الوقت، كذلك أدمن الناس الترفيه؛ فصاروا يطلبون محتوىٰ أكثر جذبًا وتخديرًا.
هذه الحالة الإدمانية أفقدتنا المقاصدية من خلقنا، فركن الناس لملاهي الدنيا، ونسوا الهدف من خلقهم، والسعي إليه.

فالمنظومة الحديثة أعادت تعريف “التجديد”؛ ليصبح مجرد إنتاج أمور غريبة وجديدة؛ مشبعة للإدمان النفسي المتطلب لتغيرات أقوىٰ تخديرًا من الموجودة، دون أي ارتباط بمقاصد شرعية أو معايير أخلاقية.

لاحظ أن هذا التعريف يرجعنا تمامًا للتصور الذي أجاب به من سألناهم: “ما توقعكم للبديل؟” ، فهو في الحقيقة يريد منتج يستمر معه في منظومته الفاسدة أصالةً!

التجديد بين المنظومة الحديثة والشريعة الإسلامية:

تأمل معي – رعاك الله- الفرق بين هذا التعريف المادي للتجديد، وتعريفه في الاصطلاح الشرعي:


“التجديد شرعًا هو إحياء السنن؛ أي أن تأتي إلىٰ أمر صحيح قد بَلِيَ في القلوب؛ فتحييه وتجدد العمل به.”

سنن ماتت بين الناس مع الوقت وانحسرت فتأتي وتحييها في الناس، لا أن تخترع أصلا جديدًا فى الدين، وتلبسه ثوبًا اسلاميًا، تخدر به المدمنين

نعم يمكن أن تجدد في طريقة عرضك لأصولك، فالنفس تمل وتفتر وتنسىٰ، لكن يكون مستندًا على أصول علمية شرعية من الوحيين، وليس بناءًا على ضغط الواقع والحداثة!

ولكن للأسف الذي حدث:
رضخ الناس لتلك النماذج الغربية، وأدخلوها إلينا، بلبوس إسلامي

  • فكان بديل برامج صناعة المغني السوبر ستار؛ برامج قرآنية يقرأ فيها القارئ، كلام الله أمام لجنة يطربون لصوته، فيَقرأ حتى يقال قارئ!
  • وبديل عارضات الأزياء الفاسقات؛ بلوجر وفاشونيستا تتمختر وتتعنج بلباس إسلامي واسع ونقاب، ونست أن الحجاب شرع ليحجب المرأة تعبدًا وصيانة عن أنظار الأجانب!
  • وبديل الأنميات والكرتون؛ برامج كرتونية إسلامية ترسم فيها ذوات الأرواح المحرمة!
    وغير ذلك من الصور المؤسلمة..

المطالبة ببديل مشابه، وازدواجية التفكير:

ومن العجيب أنه لا أحد يصف المختص في علاج المدمنين بالجمود، وأن عليه مواكبة ملذات العصر أو أن عليه أن يخترع بديلًا لضحايا الإدمان ، لكن من السهل أن يفعل ذلك مع الشريعة، فيصفها بالجمود ويطالبها بالبديل!

ما ذلك إلا بسبب الغفلة عن حقيقة الخلق، أن الله ما خلقنا، ولا أرسل الرسل إلا لعبادته وحده، وعلينا السمع والطاعة فيما أمر ونهى.

فمتى عارضت أقوال الخلق وأفعالهم هذا الهدف، يبعث الله الرسل إلىٰ أقوامهم؛ ليعيدوهم، فيأتون بالحق ويضربون به الباطل بكل شجاعة، لا يخافون لومة لائم، ينكرون المنكرات بكل وضوح، ينادون بتركها، يخالفون هذه المجتمعات، ويدعونهم للرجوع للهدف الحقيقي مهما كانت صورة هذه المخالفة عميقة ومتجذرة في ثقافة المجتمع وعاداته ومأكله ومشربه، ينكرون عليهم هواهم بلا هوادة، فيلقون في سبيل ذلك من الجحود والنكران والأذية، فلا يوجد نبيٌّ اتبع أهواء قومه، أو داهنهم، أو واكب باطلهم، وحاول أسلمته – حاشاهم-.

خطر الأنمي وغيره من الوسائل الحديثة:


الأنمي، مثل غيره من منتجات الحداثة، يتضمن أمورًا أنكرتها الشريعة، منها:

  • التصوير، الذي جاء فيه حديث النبي ﷺ:
    “إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ.” (رواه البخاري).
  • الموسيقىٰ، فقد ورد عن النبي ﷺ
    “لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ”(رواه البخاري).
  • تقليد الكافرين، والترويج لأفكارهم وثقافاتهم.، وهذا بسطناه في منشورات كثيرة.

وكل ذلك لا يحلل بحال، وفيه من الوعيد والتحريم مافيه.

•واجبنا في مواجهة هذه المنظومة:
قال تعالىٰ:
﴿وَأَنزَلناۤ إِلَیكَ ٱلكِتَـٰبَ بِٱلحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَینَ یَدَیهِ مِنَ ٱلكِتَـٰبِ وَمُهَیمِنًا عَلَیهِۖ فَٱحكُم بَینَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِع أَهوَاۤءَهُم عَمَّا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلحَقِّۚ لِكُلࣲّ جَعَلنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةࣰ وَمِنۡهَاجࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُم أُمَّة وَ ٰ⁠حِدَة وَلَـٰكِن لِّیَبلُوَكُم فِي مَاۤ ءَاتَىٰكُم فَٱستَبِقُوا۟ ٱلخَیرَ ٰ⁠تِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُم جَمِیعًا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم فِیهِ تَختَلِفُونَ﴾.
قَوْلُهُ: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ أَيْ: فَاحْكُمْ يَا مُحَمَّدُ بَيْنَ النَّاسِ: عَرَبهم وَعَجَمِهِمْ، أُميهم وَكِتَابَيِّهِمْ ﴿بِمَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ، وَبِمَا قَرَّرَهُ لَكَ مِنْ حُكْمِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَنْسَخْهُ فِي شَرْعِكَ. هَكَذَا وَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِمَعْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ أَيْ: آرَاءَهُمُ الَّتِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَتَرَكُوا بِسَبَبِهَا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ أَيْ: لَا تَنْصَرِفْ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ إِلَى أَهْوَاءِ هؤلاء من الجهلة.

فالعودة إلىٰ الله وشريعته هي الأصل، علينا أن نُعيد إحياء السنن المهجورة، وأن نصحح وجهتنا وبوصلتنا، لتربطنا بالهدف الحقيقي من وجودنا: “عبادة الله وحده”.
لا يمكن أن نقبل ببقاء الأُمَّة رهينة لمنتجات الحداثة التي لا تزيدها إلا غفلة وبعدًا عن طريق الحق!

في رحاب الكهف وأصحابه

من أقل القليل في ورد المسلم مع القرآن الكريم أن يحافظ على سنة تلاوة بعض السور في أوقاتها المحددة، مثل سورة الإخلاص والمعوذات، وسورة الملك قبل النوم، وسورة الكهف كل جمعة.
ومن فضله -جل وعلا- أن هذه السور ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحال التي حثت علىٰ قراءتها فيها.
فمثلًا، سورة الكهف يوم الجمعة، تلك السورة العظيمة التي تناولت قصصًا عجيبة، وورد فضلها في الوقاية من فتنة الدجال، وربطها بيوم الجمعة عيد الأسبوع.

والقرآن العظيم يمتد فضله بالعمل به توازيًا مع تلاوته، ولنا في قصصه عبرة بالغة.
وفي مقام البحث عن بديل لن تكتمل الصورة إلا في رحاب أصحاب الكهف الذين سُميت السورة باسم كهفهم، رغم ورود أسماء كبيرة وجليلة في السورة من قصة موسى عليه السلام والخضر وذو القرنين، لكن لهذه القصة التي افتتحت بها السورة خصوصية مميزة.

الزينة بين البداية والنهاية:

قبل بداية القصة قال الله تعالىٰ:
{ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا }
[سُورَةُ الكَهْفِ: ٧]
وبعد نهاية القصة جاء قوله:
{ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا }
[سُورَةُ الكَهْفِ: ٢٨]
كأنها قصة بين زينتين: وفي الوسط، أوىٰ الفتية إلىٰ الكهف.

هذه الزينة تختصر بهرجة عالم الترفيه واللهو وفتنة الدجال؛ حيث يقوم سحر الترفيه علىٰ أمور تختص بالدنيا، فنسب الله الزينة للدنيا، وأنها من أعظم فتنها،
لذلك كل المشاعر المتعلقة بالترفيه مشاعر صاخبة:
من مهرجانات، وأفلام، ومسلسلات، عروض حماسية، وجرعات مركّزة من الدراما الحزن والحب والضحك!

والقصص في هذه السورة نسفت هذا المفهوم نسفًا
فها هو كليم الله موسىٰ ﷺ الذي كان يتعلم من مخلوق أقل منه علمًا؛ حيث اتبع الخضر؛ ليتعلم منه مما علمه الله، ولم يكن يعلمه هو.
وقصة صاحب الجنتين التي خسرت زينتها في غمضة عين؛ فعاد خاضعًا ذليلًا لله.
والملك الذي طاف مشارق الأرض ومغاربها، مستحضر فضل ربهﷻ، قائمًا علىٰ أمره.

عزلة الكهف، نجاة من الفتن وزينة الحياة:

أما الفتية الذين خافوا على دينهم، وكانوا وسط زينة وترف؛ تركوا حضارة قومهم بأكملها وهربوا إلى الكهف، أكثر الأماكن التي لا تعكس الحضارة أو البهرجة، ولا تزخر بزينة الحياة الدنيوية.
وهذا الموقف يمثل مواساة عظيمة لكل من قرر الهرب من عالم الوهم بحثًا عن بديل
«اعتزل، وأوي إلىٰ كهفك فحسب!»

الله سبحانه وتعالىٰ يقول:
{ وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا }
[سُورَةُ الكَهْفِ: ١٦]


مهما كان عالمك الجديد جامدًا ككهف حجري، بلا ألوان، أو بهجة، أو موسيقىٰ صاخبة، أو مهرجانات عالمية؛ فإن هذا الكهف يمثل ملاذًا من صخب الدنيا وفتنتها، فيه رحمة وطمأنينة لمن يبحث عن الأمان بعيدًا عن زينة الحياة، فقط الجأ إليه!

قال تعالىٰ:
{ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا.. }
[سُورَةُ الكَهْفِ: ٢٨]


لم يكن اختبار الفتية الحقيقي هو مقاومة قومهم وتشكيل فرقة ثورية، رغم أنهم كانوا شبابًا؛ فالشباب، فيهم من الحماس والقدرة على مخالفة المجتمع، لديهم ميل فطري لإثبات الذات والصبر على المواجهة.
بل كان اختبارهم في القدرة على الهرب: الهرب من الزينة التي قد تفتنهم، الهرب من جموح الشباب وطيشه، الهرب من تقليد السائد والانجراف فيه.
لو كانوا شيوخًا، لبدا الهرب مفهومًا، لكن أن يهرب فتية في ريعان الشباب؟

لذلك كانت سورة الكهف عصمة من فتنة الدجال، والرسول ﷺ أمرنا ألا نخرج إليه عند خروجه، لأن فتنته؛ تتعلق بزينة الدنيا وبسطها له، والمنتصر هو من غض بصره وقلبه عنها، ولجأ إلىٰ كهفه

النجاح في الاختبار:

قال الفتية حين أووا إلىٰ الكهف:


{.. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا (١٠) }
[سُورَةُ الكَهْفِ: ١٠]


قد فهموا الأمر جيدًا، واختاروا الطريق الأقوم؛ ألا وهو: وجه الله -سبحانهٰ وتعالىٰ-.
وباعوا الدنيا وزينتها بالكهف؛ فنجحوا في الاختبار، ونالوا رضا ربهم؛ فهون عليهم هذا الكهف البئيس، وصار آية من آيات قدرة الله، وقرآناً يُتلىٰ إلىٰ يوم القيامة.
مرت مئات السنين داخل الكهف كغمضة عين؛ فنالوا تخليدًا لم ينله قومهم؛ فنحن نعرف كلبهم، ولا نعرف شيئًا عن قومهم، فسبحان الله!

كهف الإيمان، ملاذ النجاة من فتن الدنيا:

قال تعالىٰ:
{ ..فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا }
[سُورَةُ الكَهْفِ: ١٦]


من يهرب من زينة الدنيا، ويحفظ سمعه وبصره وفؤاده، ويأوي إلىٰ كهف تعاليم الشريعة؛ ينشر له ربه من رحمته، ويشعر بلذة طلب العلم ولذة هذا الدين؛ لذة الهدوء من صخب الدنيا وأصحابها، هو كهف باطنه فيه الرحمة وظاهره عذاب يخيف من في قلبه مرض.

هاك الثمن

الصبر هو أول وأقوىٰ بديل لكل باطل
الصبر علىٰ اعتزال هذا العالم الوهمي
الصبر علىٰ كونك الآن في مرحلة طالب العلاج لا البديل!

فعليك التعافي:

أولا: من عدم قدرتك علىٰ تخيُّل عالمٍ بلا ملهيات، أن تتوقف عنها فقط، فهذا جزء من التعافي، لكن أن تكون أسيرًا لسلطة هذه المنظومة، وتريد بدائلَ منسوخةً مما تعافيت منه؛ فأنت بحاجة لمجاهدة أكبر وصبر!

وثانيًا: صبر علىٰ العالم الحقيقي الذي يبدو مملًا ،صبر علىٰ ماينفعك في الآخرة قبل الدنيا.

ثالثًا: الصبر علىٰ ملازمة أهل الحق، كثير من الناس يظن أن مصاحبة أهل الحق أمر هين، لكن الله قرنه بالصبر لأنه في البداية يكون صعبًا ثقيلًا علىٰ النفس
{ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا }
[سُورَةُ الكَهْفِ: ٢٨]
فاسكب نفسك بين حلقات العلم ، بين طلاب الأخرة ﴿ولا تعد عيناك عنهم﴾ اصبر نفسك، وتذكر دائمًا عالم الأنمي، والرسوم المتحركة، والكومكس، والمانغا، واعرضهم علىٰ هذه الآية ، بالله عليك أليست كأنها تصفهم:
{ أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا }؟

أزمة أولياء الأمور.. البحث عن البديل المفقود:

ينطبق ذات الأمر علىٰ أولياء الأمور الذين يبحثون عن بدائل؛ حيث لا يستطيعون تخيل منظومة أخرىٰ لعالم الطفل سوىٰ الرسوم المتحركة ذات الأشكال الغريبة، والقصص المصورة السخيفة، لماذا؟
لأن هذه هي الطريقة المتعارف عليها في كل العالم، وعندها يقال: “أين البديل إذن؟” -بنبرة تعجيزية-
كل ما يهمهم: كيف سنجد بديلًا بنفس الجاذبية، بل أقوىٰ حتى يثير اهتمام الأطفال؟!

أقول لك: “لا”، احذر أن تقع في هذا الفخ، نحن بإمكاننا أن نبتكر أمرًا يأتي بالطفل إلى الواقع، ويجعل منه أقوىٰ، لا أن ننزل بأطفالنا تحت ضغط الواقع المؤسف! وما نحتاجه هو:

تعلُّم الصبر علىٰ الملل

وليس البحث عن الزينة والبهرجة، وهذه الرفعة تحتاج لصبر ،صبر التحرر من هذه المنظومة الفاسدة
ثم يأتِ الملل بالإبداع عند الطفل، فيبتكر حتىٰ ينتج ويتسلىٰ.

صبر المربي علىٰ التربية:


عندما تجد مربي يعي مخاطر عالم الرسوم المتحركة، ثم يطالب ببديل -وفق التصور السابق ذكره- فعندها تتقين أن لديه مشكلة ومخادعة تربوية!

فأعطاء الطفل الهاتف أو الشاشة، وتركه يتعرض لمدخلات مختلفة، حتى لو كانت بديلًا “يتصوّر” نفعه وأنه بلا مخالفات أو بنَفَس إسلاميّ، فهو هروب من التربية بشكل أو بآخر، وإزاحة لمسؤوليتها عن كاهل المربي، وتعويد للطفل على قلة الإبداع والإنتاج وترك البحث عن حلول
وكأن لسان حال الأهل: دعونا نرتاح قليلًا من صخبهم و شغبهم، وهاقد أعطيناهم ما يريح ضميرنا، ويسكتهم!

صبر المربي علىٰ الواقع.. ووهْم الشغل في عصر الترفيه:

هناك فهم خاطئ منتشر بين الأهل حيث يظن أن من مهماته إمتاع طفله دائمًا، ومتى ماشعر طفله بالملل فهو مربي فاشل!
نقول له: “ليست مهمتك أن تجعل عالمه وردي ومتعة لانهائية”
لاتخف من فكرة أن يشعر طفلك بالملل بل المخيف هو الفراغ -وهنا يحصل الخلط- عندما تشغل طفلك بالملهيات من برامج كرتونية وألعاب الكترونية فطفلك هنا يعتبر فارغ حتى لو كان ظاهريًا منشغل! أما محاربة الفراغ فتكون بربطه بالواقع، والصبر على الروتين الصحي، وتعلم مهارات مختلفة
أن يتعلم الأنس بالله، يتعلم ذكره وعبادته، فيأنس بنفسه!
أن يتعرف على هواياته ويقوم بخدمة أهله، ونفسه، ينظف مكانه، يرتب ألعابه، وثيابه، وتتطور مهامه مع عمره وقدرا

فهذا هو الذي نحارب به الفراغ والملل ونخاف التقصير به!

فمتىٰ كان الطفل منخرط في برنامج كهذا ثم حدث وشعر بعدم المتعة، أو الملل فالأمر طبيعي، وهو ملل صحي نساعده في فهمه، ونشجعه ليبتكر عمليًا، والصبر على أن مهمتنا في الدنيا ليست طلب المتعة، بل عباده الله والأنس به، ويلبشر الأهل بشهادة
“شاب نشأ في طاعة الله!”

كذلك الأمر بالنسبة للمتابعين:


لاتخف من الملل، بل واجهه بالصبر والتقوىٰ واللجوء إلى الله عز وجل، اشغل نفسك مهما كان شغلًا مملًا؛ مايجب أن تخافه هو الفراغ ومايجب أن تطلبه هو العمل النافع.

الصبر علىٰ الملال، خلق العقلاء:

من أبلغ ما قيل عن الصبر علىٰ الملال، ما ورد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه حين قال:
“لا أملُّ ثوبي ما وسعني، ولا أملُّ زوجتي ما أحسنت عشرتي، ولا أملُّ دابَّتي ما حملتني؛ إنَّ الملال من سيِّىء الأخلاق” (تاريخ دمشق).
في هذا القول يظهر خلق الحكيم الذي يرىٰ شكر النعمة فيما هو مألوف
إن في ثوبٍ وسعك كفايةً، وفي زوجةٍ أحسنت عشرتك نعمةً، وفي دابةٍ حملتك فضلًا

إنما الملال ضعفٌ في الروح التي تعجز عن تقدير ما بين يديها، ومرضٌ في القلب الذي لا يكتفي بنعمة حاضرة بحثًا عن وهم بعيد؛ فلا يملّ الإنسان مما يملك إلا إن فقد بصيرته، ولا ينزع إلى التغيير بلا سبب إلا إن غاب عنه جمال ما في يده.

إذًا، هل يعني ذلك أن نعتزل التكنولوجيا والشاشات اعتزالًا تامًا؟

الإجابة نرجع بها إلىٰ أصحاب الكهف، هؤلاء الفتية الذين هربوا بدينهم من حضارة قومهم وزخارفها، وصبروا علىٰ الكهف وضيقه؛ ليُخلد الله معجزتهم.
استيقظوا بعد أعوام طوال وهم لا يعلمون بما حدث، لكنهم كانوا مستأنسين بالله، موقنين بفضل الله عليهم.
وهذا يعطينا درسًا عظيمًا: أن ثمرات الصبر ليست شرطًا أن تظهر فورًا، لكنها تأتي في الوقت الذي يريده الله، وبالطريقة التي يريدها.

عندما استيقظوا واحتاجوا لقضاء حاجتهم؛ لم يرفضوا الخروج من كهفهم تمامًا، بل قرروا إرسال أحدهم لهدف محدد، وبضوابط صارمة؛ للحفاظ على دينهم وأمنهم، قال الله تعالىٰ علىٰ لسانهم:


﴿… فَٱبۡعَثُوۤا۟ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَـٰذِهِۦۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ فَلۡیَنظُرۡ أَیُّهَاۤ أَزۡكَىٰ طَعَامࣰا فَلۡیَأۡتِكُم بِرِزۡقࣲ مِّنۡهُ وَلۡیَتَلَطَّفۡ وَلَا یُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا ۝  إِنَّهُمۡ إِن یَظۡهَرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ یَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ یُعِیدُوكُمۡ فِی مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوۤا۟ إِذًا أَبَدࣰا﴾.
الكهف: [١٩-٢٠].


وهذا يعلمنا:
١- الاستخدام بحكمة، وهدف محدد:

أصحاب الكهف أرسلوا واحدًا منهم لقضاء حاجة محددة، ولم يكن الخروج للعبث أو التسلية. كذلك نحن، علينا أن نتعامل مع التكنولوجيا لهدف نافع واضح، مثل تعلم العلوم النافعة، أو خدمة الدين، أو نشر المعرفة، مع تجنب الاستخدام الملهي والمغرق في الوهم.

٢- الحيطة والحذر:
قال الله تعالى: ﴿وَلۡیَتَلَطَّفۡ وَلَا یُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا﴾
يجب أن يكون تعاملنا مع التكنولوجيا بحذر شديد؛ لأن المخاطر تترصدنا دائمًا: التشبه بأهل الباطل، الانبهار بالباطل نفسه، أو الوقوع في شراكه!

ويمكننا الاستفادة من التكنولوجيا بأقصى قدر ممكن دون الانجراف في مخاطرها؛ ليس الحل في صناعة “نسخ مشوهة” نُلبسها ثوبًا إسلاميًا زائفًا تحت شعار “البدائل الجذابة”.

بل الحل في أن نصنع محتوى نحتاجه حقًا في ديننا ودنيانا، وأن نستخدم هذه الوسائل لمحاربة الضلال، بشرط أن نعي المخاطر المحيطة دائمًا، مستحضرين قوله تعالى:
“إِنَّهُمۡ إِن یَظۡهَرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ یَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ یُعِیدُوكُمۡ فِی مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوۤا۟ إِذًا أَبَدࣰا” [الكهف: 20]
فمتىٰ ما قادنا هذا الاستخدام للفلاح؛ صار مفيدًا محققًا لهدفه.

من أهم ما يمكننا العمل عليه مشاريع تحقق فائدة حقيقية، بدلًا من محاولة تقليد صناعة الترفيه الغربية وإلباسها لباسًا إسلاميًا زائفًا، مثل:

١- برامج تعليمية عميقة ومبتكرة:

  • تطبيقات تعليم السيرة النبوية بطريقة مبسطة وملهمة.
  • ألعاب تفاعلية تهدف إلى تعليم أصول الدين أو الفقه بطريقة مشوقة، وبرامج تُظهر كيف وصلت إلينا الأحكام الشرعية، وكيف نميز بين الحلال والحرام.
  • منصات تُعرِّف الشباب بعلوم الحديث، علم الرجال، والجرح والتعديل.

٢- مواجهة الشبهات:
نحتاج إلى تطبيقات تعتمد على خوارزميات ذكية تساعد الشباب على الإجابة عن الشبهات، وتعزز لديهم اليقين من خلال الأدلة العقلية والنقلية.

٣- تعليم أصول الشرع بطريقة ميسرة:
بدل تحويل الدين إلى مادة يصعب فهمها، يمكننا تصميم تطبيقات تسهِّل دراسة أصول الفقه، علم الحديث، وغيرها من العلوم الشرعية، مع ربطها بحياة المسلم اليومية.

هذه العلوم ليست مجرد مواد علمية، بل هي أدوات تصقل الشخصية، توسع المدارك، وتبني عقل الإنسان بطريقة متينة.

الخطأ الأكبر هو اعتقادنا بخرافة حاجتنا لإنتاج أعمال تضاهي هوليوود في جاذبيتها وبهرجتها لنُظهر الإسلام.
هذا السقوط في التقليد سيؤدي بنا إلى فقدان هويتنا، إذا أردنا تقديم محتوى جاذب للكفار، فلا بد أن يكون مختلفًا تمامًا عن صخبهم وزخرفهم.

نحن بحاجة إلى محتوى يحرر العقول ويعيدها إلى فطرتها السليمة؛ فالنموذج الغربي يعتمد على إبهار الحواس بالصخب والخيال الزائف، وهو ما يجعل الإنسان مقيد الحواس بدلًا من أن يتعلم الحرية!

والحمد لله رب العالمين

الاستفادة من الصوتيات:
-المدخلات | موضة النظام البديل لكل شيء
-الذكاء الرقمي في خدمة الدعوة إلى الله
-كثرة الملل وحب التجديد من سيء الأخلاق

– صناعة الملل

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة