يا أبناء أمتي، ويا فتيان هذا الزمن العاصف، إني لأرى في صفحات زماننا مفارقة عجيبة، وأنبئكم بمناظر من بني قومي. شبابٌ مكانهم من نور، وأملُهم من عطر حاضر، يسيرون في دروب الحياة، فإذا بهم يقعون في دوَّامة الموت؛ كأن الموت قد صار لهم رفيقًا دائمًا، ينساب كالسيل الهادر يغيِّر مجرى الأحلام، ويطفئ أنوار الأمل في مهدها.
أهل الإيمان، إن شباب أمتنا، تلك الجواهر الثمينة، يُقتل أحدهم بين أيدي القدر. فكم من فارسٍ تسابق على حصانه ليصنع مجدًا، فإذا به يُلقى في غياهب النهاية قبل أن يذوق طعم النصر، أو يرى في عينيه أملًا بسماءٍ أرحب، أو حلمًا جميلًا يتطلع إليه. فالموت اليوم يندحِرُ بين شباب الأمة كأنه طيفٌ مرعب، يختطف أرواحًا زكية، ويترك القلوب تجترُّ الأوجاع.
والمصيبة الكبرى أن الكثير من أبنائنا، غافلون عن حقيقة الدنيا، غافلون عن مسؤولياتهم، تائهون في بحرٍ من اللهو واللعب، سادرون في سباتٍ عميق، يمرون بمرور الكرام، وكأن الموت بعيد عنهم، وأن الحياة فناءٌ لا يطول. أوحي إليهم أن الدنيا دارُ متعٍ وزينة، وأن شبابهم يُضَيِّعُ فرصًا عظيمة، ثم ينقلب الحال، ويكون الموت قد حصد الأرواح، قبل أن يغتنموا ما تبقى لهم من عمر.
يا بنات الأمل، يا أمل الأمة، إنَّي لأشعرُ أن الغفلة قد استحكمت عليهم، وأصبحت كالسجان الذي يقيّد العقول والأرواح، ونسوا أن الموت لا يفر، وأن الحياةَ ساعةٌ، وأن النهايةَ حقٌ، وأن الله طالما حذّر من الغافلين، وأمر بالاجتهاد والسعي في عبادة الله، والعمل الصالح.
فيا شباب المسلمين، تعالوا نستيقظ من سُبات الغفلة، قبل أن ينادي منادي الآخرة على نفوسنا، فنندم حين لا ينفع الندم، ونحزن حين يقطعنا الأجل، فالحياة قصيرة، والموت هو النهاية الحتمية، وكل نفسٍ بما كَسَبَت رهينة، فليس لنا إلا أن نستغل أوقاتنا، ونعمّرها بالعمل الصالح، والأمل العظيم، لنلقى الله على خير حالٍ. وإن كانت مفارقة الأرواح مؤلمة، فليعلم كل غافل أن الحذر ثم الحذر من أن تُسَلَّطَ علينا يدُ الموت قبل أن نحقق أحلامنا، أو نترك بصماتٍ نافعةً في الدنيا.
وفي النهاية، يا أمل الأمة، وأمل الشباب، فلنوقظ ضمائرنا، ولنصبر على أهوال الزمان، فكل مصيبةٍ تنقلنا إلى دار القرار، وكل موتٍ يُعلمنا أن الحياة زائلةٌ، وأنها ليست إلا فرصةً قصيرةً للعبادة والعمل، فنسأل الله أن يعيذ شبابنا من الغفلة، وأن يُنجّي أرواحنا من أسوء المصائب، وأن يجعلنا من الذين يُقبلُ عليهم الموت وهم في تمام الإيمان، ويلاقونه على خير حالٍ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
