﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ • كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ سورة المائدة آيات عظيمة مزلزلة تحذرنا من مصير الاستهانة بالمنكر، "لبئس ما كانوا يفعلون"، ولبئس ما يفعل كل من يرىٰ المنكر أمامه ولا ينهىٰ عنه، وإنه لمصابٌ جلل أن يستمر سريان المنكرات أمامنا، ويستمر التماهي معها بلا خجل، ونحن في مقام استجداء رحمة الله تعالىٰ، ورجاء نصرته!
قد تحدثك نفسك؛ فتقول: وأين المنكرات وغزة تباد؟ وهل هذا وقتها؟ أليست نصرة أهل غزة أولىٰ من خطاباتكم المتكلفة!
قلنا: إنما نصرة غزة تكون تقية!
بإنكار المنكر والأمر بالمعروف في حينه، والأخذ بأيديهم -في وقت كرب ومحنة- إلىٰ التقوىٰ وكل ما يجلب مرضاة الله تعالىٰ؛ فتلك هي النصرة الحق، وتلك حقًا من أهم الأسباب الموجبة لنصرة أهل غزة.
فنَشرك لمقاطعِ فيديو تُبين حال إخواننا في غزة -فرج الله كربهم وتقبل شهداءهم-؛ نصرة حسنة، ولكن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا؛ فلا حاجة لك لنصرة أهل غزة بنشر منكرٍ والتساهل مع منكرٍ، ولن يتطلب الأمر منك إلا مسحة تقوىٰ؛ لتنقية ما تنشره من كل مخالفات شرعية! وهذا دأب المسلم في عبادة دومًا، واستقامة أبدا.
ثم لماذا تَنْصُر غزة؟
لماذا تريد أن تُبين حال أهل غزة المكلومين للناس؟
لماذا تريد تَليِين القلوب لهم؟
إن لم يكن هذا لوجه الله تعالىٰ؛ فلمن يكون أيها المسكين؟
إن لم يكن لاستجلاب رحمة الله تعالىٰ ومعيته ونصره؛ فلمن يكون؟
إياك أن تكون ممن ينشد بذلك نجدة الأمم المتحدة والأمم الكافرة؛ فذلك هو تمام البؤس!
الأجر العظيم عند الله، لا عند غيره!
والرحمة والنصر من الله وحده، لا شريك له، يسخر لعباده من يشاء؛ فالبداية من ابتغاء مرضاة ربك، ولا تكون أبدًا بمعصيته. لذلك لتقم نصرتك لفلسطين وغزة علىٰ الاستقامة، وعلىٰ الحال التي يرضاها الله تعالىٰ؛ فهذا أرجىٰ ما تُقَدِّم للمستضعفين هناك.
إن جميع بلاد المسلمين بعد أكثر من ١٤٠٠ عام من بعثة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قد تقاعس أهلها عن تعلم دينهم وأحكامه؛ قد شغلتهم الدنيا كثيرًا، فكان أمرًا متوقعًا أن تصدر عنهم المخالفات والمنكرات؛ جهلًا وغفلة ولا مبالاة، -نسأل الله أن يعفو عنا-
لذلك يجب أن يستمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في تربية الناس علىٰ الحق، في طريق نصرة الحق؛ وإلا فلا قيمة لكل ما نفعله.
بعض الناس يصل لدرجة أن يتعامل مع الفلسطيني علىٰ أنه ملك لا يخطئ، فإن رأوا شخصًا فلسطينيًا يفعل فعلا بطوليًا أو محببًا؛ يتغاضون عن أي مخالفة شرعية يقع فيها تعاطفًا مجردًا عن حب الاستقامة!
وهذا من هوان الحق في قلوب الناس، والله المستعان.
لذلك؛ فلتكن يقظا أيها المسلم
فإن نَشْركَ لمقطع فيديو فيه حلف بالأمانة (وهي كفر)؛ لقول رسول الله -صلىٰ الله عليه وسلم-: “من حلف بشيء دون الله؛ فقد أشرك” نشرٌ لمنكرٍ، وتعليمٌ للناس لمنكرٍ؛ تتحمل وزره مع كل مشاهدة تتحول لدرس لإباحة الحلف بغير الله.نشرك لمقطع فيديو فيه دعاء واستغاثة بالموتىٰ؛ هو كفر؛ لقوله تعالىٰ:
﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾
نشرك لمقطع فيديو فيه نساء مكشوفة الذراع والشعر- لا يجوز، وإثم علىٰ كل رجل يشاهدها.
ثم من سمح لك بنقل صورهن وهن مكشوفات في كرب في هذه الحالة؟
وهل هو مقام سترٍ أم مقام كشف وفرجة!
أين عقلك؟
نشرك لصور إخواننا الأسرىٰ لدىٰ الاحتلال وهم مجردون من ثيابهم، مكشوفة عوراتهم- ظلم عظيم لنفسك، ولمن يشاهد، وللأسرىٰ أنفسهم، بل وقد حققت مراد العدو بنشرك لصورهم وهم في ذلة مهانين.
نشرك لصور الأسيرات السابقات وهن متبرجات- لا يخدم قضيتهن، بل يجلب عليهن الأذىٰ من حيث لا تدري.
وضع الموسيقىٰ في الخلفية؛ لتحريك مشاعر الناس يسمىٰ استغفالًا، وقلة أدب أمام مصائب المسلمين.
هل أنت بحاجة لموسيقىٰ كي تحرك ضمائر الناس؟
وهل ينال نصر الله بمعصيته؟
أم بالتأدب معه جل جلاله؟
هذا كله لا يقبله شرع ولا عقل ويتجنبه التقي، وكذلك يترفع عن دعمه بالإعجابات؛ وإن أحزنته المشاهد وفتكت فيه صيحات الثكالىٰ.
وللأسف؛ شدة التماهي مع المنكرات وتهوينها هو الذي جعل المخالفات لشريعة الله تتضخم في مواقع التواصل وكثرة المشاهدات. وكل من ساهم في ذلك؛ حمل وزرًا؛ سواء علم ذلك أم لم يعلمه -إلا أن يشاء الله-.
ومن يَتَنَصَّل من مسؤولية إنكار المنكر التي جعلها الله تعالىٰ درجات؛ لشدة أهميتها، ولم يسقطها حتىٰ في قلب الاستضعاف بحجة أن الوقت ليس للمسائل العقدية والشرعية بينما تموت النساء والأطفال، لم يستوعب بعد أن حياتنا كلها مسألة عقدية وشرعية، وأن كل حركاتنا وسكناتنا منتظمة ومنسجمة بطاعة الله تعالىٰ والاستقامة علىٰ صراطه المستقيم كما أمر.
وفي النوازل والمحن يصبح الفرار إلىٰ الله تعالىٰ ورجاء رحمته أعظم وأكبر، وإن لم نستدرك هذا التضييع للإسلام وشريعة الله وأوامره في قلب الحرب والنكبة متىٰ بالله عليكم سنستدرك؟
وكيف نستجدي نصرًا من الله تعالىٰ؛ ونحن نحيد عن شريعته وأوامره، ونقول: سيغفر لنا!
إن موت المسلم شهيدًا؛ لهو أشرف له من العيش عاصيًا أو كافرًا.
ونصيحة المسلمين في مثل هذه الأوقات، والشد علىٰ أيديهم؛ لالتزام التقوىٰ وخشية الله تعالىٰ دليلٌ علىٰ صدق المحبة؛ فليست المساهمة في نصرتهم بنشر كل ما يثقل بالأوزار والسيئات؛ فهذه محبة مغشوشة، ومن غشنا فليس منا.
وفي الواقع؛ تذكرنا الآيات العظيمة بواقع اليهود، الذين نقاتلهم اليوم ويقاتلوننا؛ كيف نطمع أن ينصرنا الله تعالىٰ ونحن ننتهج نهجهم بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتىٰ لعنهم الأنبياء.
افتح مصحفك، وقف بخشوع وأدب عند كل آية تصف المؤمنين وهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، واستحضر هذه الصفة بمسؤولية عند نصرتك لغزة؛ فلا تشجع منابر النشر للمنكرات، ولا تصمت عن منكر تراه، وساهم بتنظيف الساحة منها؛ بتوفير مواد تقية، نقية، أو دعم المنابر التي تنشرها.
ولا تحقر من دورك في إنكار المنكر، وإزالته، وتوفير بديل تقي له؛ لأنك تتعامل مع الله -جل جلاله-، ولو عصاه كل الناس واستقمت كما أمر؛ لكُنتَ خيرَ مَن نصَرَ أهل غزة؛ مهما أكثروا من النشر والبكاء عليهم ظاهرًا؛ بينما هم يتعاونون علىٰ إثم ومنكرٍ لا يجوز.
فالله الله في التواصي بالحق، والصبر، ودعوة الناس للاستقامة كما أمر الله تعالىٰ، والحذر من التهوين من أمر عظيم ذكره الله -جل جلاله- في مقام تحذير ولعن. والله يحب التوابين ويحب المتطهرين.