حكم الذكر الجماعي بعد الصلاة على وتيرة واحدة

|

حكم الذكر الجماعي بعد الصلاة على وتيرة واحدة

إن البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة، لأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع شيء منها إلا بدليل.

وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة. ومنها الذكر الجماعي بعد الصلاة لأن المشروع أن كل شخص يقول الذكر الوارد منفردا. فأصل الدعاء عقب الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، وإنما يباح منه ما كان لعارض،

قال الإمام الشاطبي : «لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزا. وإذا لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام، ولا كونه سنة تقام في الجماعات، ويعلن به في المساجد كما دعا رسول الله دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب».

وإنما كان هذا الدعاء بعد الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، مع ثبوت مشروعية الدعاء مطلقا، وورود بعض الأحاديث بمشروعية الدعاء بعد الصلوات خاصة، وذلك لما قارنه من هذه الهيئة الجماعية، ثم الالتزام بها في كل الصلوات حتى تصير شعيرة من شعائر الصلاة.

فإن وقع أحيانا فيجوز إذا كان من غير تعمد مسبق، فقد روي عن الإمام أحمد أنه أجاز الدعاء للإخوان إذا اجتمعوا بدون تعمد مسبق، وبدون الإكثار من ذلك حتى لا يصير عادة تتكرر ،

وقال شيخ الإسلام: «الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم تتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة، ولا اقترن به بدعة منكرة»

أما إذا كان دائما بعد كل صلاة فهو بدعة ويس له أصل في دين الله تعالى، إذ لم ينقل عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة الكرام أنهم يذكرون الله جماعة، ولم يفعله السلف الصالح، بل أنكروا على من فعل ذلك.

من مفاسد الذكر الجماعي:

مخالفة هدي النبي ﷺ وأصحابه

فإنهم لم ينقل عنهم شيء من ذلك، ولا شك أن ما خالف هدي النبي ﷺ وهدي أصحابه الكرام، فهو بدعة ضلالة.

ولو كان خيرا لفعله ﷺ، ولتبعه في ذلك الصحابة الكرام، وما لم يكن دينا في زمانهم فليس بدين اليوم.

الخروج عن السمت والوقار

فإن الذكر الجماعي قد يتسبب في التمايل، ثم الرقص، ونحو ذلك، وهذا لا يجوز بحال، بل هو مناف للوقار الواجب عند ذكر الله تعالى، وحال أهل الطرق الصوفية معروف في هذا الباب.

التشويش على المصلين والتالين للقرآن

وذلك إذا كان الذكر الجماعي في المساجد. ولا شك أن المجيزين له يعدون المساجد أعظم الأماكن التي يتم الالتقاء فيها للذكر الجماعي.

أنه قد يحصل من الذاكرين تقطيع في الآيات

أو إخلال بها وبأحكام تلاوتها، أو بأذكار مما يجتمع عليها، كما لو أن أحدهم قد انقطع نَفَسه ثم أراد إكمال الآية فوجد الجماعة قد سبقوه، فيضطر لترك ما فاته واللحاق بالجماعة فيما يقرأون، أو أن يكون بعض القارئين مخلا بالأحكام فيضطر المجيد للأحكام إلى مجاراتهم حتى لا يحصل نشاز وتعارض، ونحو ذلك.

أن في الذكر الجماعي تشبها بالنصارى

الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد، وهذا التشبه بأهل الكتاب مع ورود النهي الشديد عن موافقتهم في دينهم دليل واضح على عدم جواز الذكر الجماعي.

أن فتح باب الذكر الجماعي قد يؤدي إلى أن تتبع كل طائفة شيخا معينا

يجارونه فيما يذكر، وفيما يقول، ولو أدى ذلك إلى ظهور أذكار مبتدعة، ويزداد التباعد بين أرباب هذه الطرق يوما بعد يوم؛ لأن السنة تجمع، والبدعة تفرق.

أن اعتياد الذكر الجماعي قد يؤدي ببعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن ذكر الله

إذا لم يجد من يشاركه، وذلك لاعتياده الذكر الجماعي دون غيره.

وديننا بحمد الله تام كامل مرضيٌّ، قال تعالى:

 ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾

ولم يترك نبينا ﷺ ما يقربنا من الجنة أو يبعدنا عن النار الا وحدثنا به، فأيُّ حاجة بنا بعد هذا إلى البدع في الأعمال والأقوال؟

قال ابن مسعود: «اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدعوا فقد كفيتم».
فاتِّبَاع الشرع والدين متعيِّن، واتّباع غير سبيل المؤمنين بالهوَى وبالظَّنِّ وبالعادات المردودة مَقْتٌ، وبِدْعة.

وجاء في -شرح الوصية الصغرىٰ- لشيخ الإسلام إبن تيمية :-
البدعة تطفئ السنة في قلوب الناس، وما تعلّق أحد ببدعة؛ إلا مات في قلبه مقدارها من حب السنة؛ فيفتر الناس في دينهم؛ لأنهم يفعلون ما يظنونه دينًا وليس بدين، ويتركون ما هو دين صحيح، بل يُنكرونه،

فإذا جاءهم إنسان بـ: (قال الله عز وجل، وقال رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم) علىٰ خلاف ما يفعلونه من البدع؛ أنكروا هذا، ولربما قالوا له: “أنت وهّابي”، بل ربما جَرُؤ بعض الناس فقال: “هذه آيات الوهابية”

حتىٰ القرآن لما دل علىٰ خلاف ما اعتادوه؛ وصفوه بأنه قرآن الوهابية، مع أنه القرآن الذي يتلونه والآيات التي يتلونها.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة