اعلم أيها المسلم أنه متىٰ عزمت علىٰ الزواج، وتحققت نيتك في ذلك؛ وجب عليك أن تحسن الاختيار، وتبحث عن الزوجة الصالحة التي تكون من أسباب سعادتك في الدنيا، ومن أسباب نجاتك في الآخرة.
فأول ما يبحث عنه الرجل المسلم العازم علىٰ الزواج في المرأة التي ينوي نكاحها والاقتران بها- دينها؛ فمتىٰ كانت علىٰ دين قويم، وسيرة حسنة، وصلاحٍ تام، والتزامٍ بكتاب الله وسنن نبيه؛ فليرجوا خيرها، ولا يُضَيِّع أجر الاقتران بها.
فقد قال النبي ﷺ: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
فهذا معناه أن الأسباب الباعثة علىٰ نكاح المرأة؛ إما أن تكون ذات مال وفير ومتاع، أو تجارة رائجة، أو ممتلكات كثيرة؛ فيحصل بالزواج منها حصول المال والغنىٰ، أو أن تكون ذات حسبٍ عالٍ رفيع؛ فيحصل بالزواج منها علو المقام، ورفعة المكانة؛ أو أن تكون ذات جمال وحُسن خلاب؛ فيحصل بالزواج منها اللذة والسرور والمتعة؛
أو أن تكون ذات دين متين، وصلاحٍ عريض؛ فيحصل بالزواج منها السكن والمودة، والصلاح والوفاق، والتآزر علىٰ طاعة الله، والامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه وزواجره، والنصح في الله، والحث على طاعته، والتخويف من معصيته.
وليس هذا معناه الامتناع عن الزواج من الغنية، أو الحسيبة، أو الجميلة، بل الزواج منها جائز إذا كانت ذات دين، بل مستحب، وأما إذا عرض للرجل الأصناف المذكورة في الحديث كلٌ علىٰ حدة، ولم تكن إحدىٰ الثلاثة الأُوَّل من ذوات الدين؛ فالزواج من ذات الدين آنذاك واجب حتم؛ لقول النبي ﷺ: «تربت يداك» ،
وهو دعاء بالفقر، بمعنىٰ الزجر الشديد، وفي السنة المشرفة ما يدل علىٰ أن الزواج بأهل الديانة والصلاح مما ينفع المتزوج في الدنيا والآخرة؛ سواء كان ذكرًا أو أنثىٰ.
فإن النبي ﷺ لما آذنته فاطمة بنت قيس بتحللها من عدتها –وكان قد خطبها معاوية بن أبي سفيان، وأبي الجهم، وأسامة بن زيد، رضي الله عنهم جميعًا- قال لها ﷺ: «أما معاوية فرجل ترب لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضرَّاب للنساء، ولكن أسامة بن زيد»
فقالت بيدها هكذا -كأنها منكرة-: “أسامة! أسامة!”
فقال رسول الله ﷺ: «طاعة الله وطاعة رسوله خير لك» قالت: “فتزوجته فاغتبطته”.
أي: فسررت به وبزواجه؛ فإنها كانت قد أنكرت ابتداءً الزواج به؛ لأنه مولىٰ صغير أسود؛ فبيّن لها النبي ﷺ أن في الزواج به لديانته الخير العظيم؛ فكان الأمر كما أخبر بشهادتها.