الأصل لزوم النساء البيوت، لقول الله تعالى: ﴿وَقرْنَ في بيُوتِكنَّ﴾
فهو عزيمة شرعية في حقهن، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة.
ولهذا جاء بعدها: ﴿ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية.
والأمر بالقرار في البيوت حجاب لهن بالجُدر والخُدُور عن البروز أمام الأجانب، وعن الاختلاط، فإذا برزن أمام الأجانب، وجب عليهن الحجاب باشتمال اللباس الساتر لجميع البدن، والزينة المكتسبة.
ومَن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة -والله أعلم- مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك.
قال الله تعالى: ﴿وقرن في بيوتكن﴾
وقال سبحانه: ﴿واذكرن ما يتلى في بيوتكم من آيات الله والحكمة﴾
وقال عز شأنه: ﴿لا تخرجوهن من بيوتهن﴾
وبحفظ هذا الأصل تتحقق المقاصد الشرعية الآتية:
- ١ / مراعاة ما قضت به الفطرة، وحال الوجود الإنساني، وشرعة رب العالمين، من القسمة العادلة بين عباده من أن عمل المرأة داخل البيت، وعمل الرجل خارجه.
- ٢ / مراعاة ما قضت به الشريعة من أن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي -أي غير مختلط- فللمرأة مجتمعها الخاص بها، وهو داخل البيت، وللرجل مجتمعه الخاص به، وهو خارج البيت.
- ٣ / قرار المرأة في عرين وظيفتها الحياتية -البيت- يكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب في البيت: زوجة، وأمَّا، وراعية لبيت زوجها، ووفاء بحقوقه من سكن إليها، وتهيئة مطعم ومشرب وملبس، ومربية جيل.
- وقد ثبت من حديث ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» متفق على صحته.
- ٤ / قرارها في بيتها فيه وفاء بما أوجب الله عليها من الصلوات المفروضات وغيرها، ولهذا فليس على المرأة واجب خارج بيتها، فأسقط عنها التكليف بحضور الجمعة والجماعة في الصلوات، وصار فرض الحج عليها مشروطًا بوجود محرم لها.
- وقد ثبت من حديث أبي أبي واقد الليثي أن رسول الله ﷺ قال لنسائه في حجته: «هذه ثم ظهور الحصر» رواه أحمد وأبو داود.
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى- في التفسير: “يعني: ثم الْزَمن ظهور الحصر ولا تخرجن من البيوت”.
وقال الشيخ أحْمد شاكر -رحمه الله تعالى- معلقًا على هذا الحديث في [عمدة التفسير: ٣/١١]: “فإذا كان هذا في النهي عن الحج بعد حجة الفريضة -على أن الحج من أعلى القربات عند الله- فما بالك بما يصنع النساء المنتسبات للإسلام في هذا العصر من التنقل في البلاد،
حتى ليخرجن سافرات عاصيات ماجنات إلى بلاد الكفر، وحدهن دون محرم، أو مع زوج أو محرم كأنه لا وجود له، فأين الرجال؟! أين الرجال؟!!”
وأسقط عنها فريضة الجهاد، ولهذا فإن النبي ﷺ لم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد، وكذلك الخلفاء بعده، ولا انتدبت امرأة لقتال ولا لمهمة حربية، بل إن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحروب دال على ضعف الأمة واختلال تصوراتها.
وعن أم سلمة أنها قالت: « يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟ فأنزل الله: ﴿ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض﴾ » رواه أحمد، والحاكم وغيرهما بسند صحيح.
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى تعليقًا على هذا الحديث في [عمدة التفسير: ٣/ ١٥٧]: “وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين -في عصرنا- الذين يحرصون على أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، فيخرجون المرأة عن خدرها، وعن صونها وسترها الذي أمر الله به،
فيدخلونها في نظام الجند، عارية الأذرع والأفخاذ، بارزة المقدمة والمؤخرة، متهتكة فاجرة، يرمون بذلك في الحقيقة إلى الترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية، تشبهًا بفجور اليهود والإفرنج، عليهن لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة”.
٥ / تحقيق ما أحاطها به الشرع المطهر من العمل على حفظ كرامة المرأة وعفتها وصيانتها، وتقدير أدائها لعملها في وظائفها المنزلية.
وبه يُعلم أن عمل المرأة خارج البيت مشاركة للرجل في اختصاصه، يقضي على هذه المقاصد أو يخل بها، وفيه منازعة للرجل في وظيفته، وتعطيل لقيامه على المرأة، وهضم لحقوقه؛ إذ لا بد للرجل من العيش في عالمين:
عالم الطلب والاكتساب للرزق المباح، والجهاد والكفاح في طلب المعاش وبناء الحياة، وهذا خارج البيت، وعالم السكينة والراحة والاطمئنان، وهذا داخل البيت.
وبقدر خروج المرأة عن بيتها يحصل الخلل في عالم الرجل الداخلي، ويفقد من الراحة والسكون ما يخل بعمله الخارجي، بل يثير من المشاكل بينهما ما ينتج عنه تفكك البيوت، ولهذا جاء في المثل (الرجل يَجْنِي والمرأة تَبْني).
ومن وراء هذا ما يحصل للمرأة من المؤثرات عليها نتيجة الاختلاط بالآخرين.