إن دعوى مساواة المرأة بالرجل في كل شيء وبلا استثناء دعوى منكرة، ومصادمة للفطرة، ومناقضة للشرع، وقد تولى كبرها في بلداننا بعض أبناء جلدتنا ممن رضعوا ثقافة أعدائنا، أو انهزموا أمام المدنية الغربية، واغتروا بزيفها فزعموا -وكذبوا- أن دافعهم هو إنصاف المرأة وتحريرها من الظلم، وفكها من القيود.
ومساواة الجنسين مساواة مطلقة هي الظلم لهما عند العقلاء وأصحاب الفطر السليمة.
والعقل والفطرة يجزمان بأن لكل من المرأة والرجل خصائصه المنبنية على تكوينه العقلي والنفسي والجسماني الذي يختلف اختلافاً واضحاً عن الطرف الآخر، فهل يعقل أن تتساوى وظيفتهما مع هذا الاختلاف، أم أن العقل والفطرة والعدل والقسط كلها تجزم بأن يكلف كل منهما من الواجبات ما يقدر عليه، ويعطى من الحقوق ما يستحقه، ويسند إليه من الوظائف ما يلائمه ويناسبه، وهذا هو الذي جاء به الشرع وقرره قسطاً وعدلاً.
قال تعالى: ({وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}.
ومن ذلك أن الله جعل القوامة للرجل على المرأة لتتفرغ المرأة لوظيفتها الكبرى وهي: القيام برعاية ومصالح البيت والأولاد، فإنه من الظلم أن يطلب من المرأة أن تحمل وترضع وتربي، ثم يطلب منها العمل والكد من أجل حماية نفسها وأسرتها والسعي عليهم في آن واحد.
فكان العدل أن يعطى الرجل القوامة لما فيه من خصائص تؤهله لذلك، كما أن المرأة عندها من الرقة والعاطفة وسرعة الانفعال والاستجابة لمطالب الطفولة ما أهلها لتربية الأطفال، والقيام على شؤونهم في البيت، وهو ما يعجز الرجل عن القيام به.
ثم إن الأسرة مع صغرها فهي مؤسسة عائلية لابد لها من إمارة ورئاسة حتى تستقيم أمورها، فإما أن يكون الرئيس هو الزوج، وإما أن تكون الزوجة، وإما هما معاً، وإما غيرهما، وإما لا أحد، وليس هنالك حل آخر.
فإن كانت الأسرة بلا قيادة، فلا تسأل عما ينشأ عن ذلك من الفوضى لسبب بسيط وهو تضارب المصالح واختلاط الأولويات وتعارض الرغبات، فمصير أسرة بلا رأس هو الزوال والاضمحلال والتشرد والجنوح.
والحل الثاني هو: تسيير شؤون الأسرة من قبل أحد غير منتمٍ لها، وهذا لا يتأتى ولا يستقيم، إذ من الضرورات لإدارة الأسرة: المعرفة والعلم بأسرارها وظواهرها وبواطنها، وهذا لا يتأتى للغريب.
والحل الثالث: أن تكون القوامة للرجل والمرأة معاً، وهذا عين الفساد، فأي كيان يحتاج إلى إدارة، لا ينبغي أن تتوزع الكلمة الأخيرة فيه على أكثر من واحد. ومن هنا فلا سبيل إلى الشراكة في القوامة.
والحل الرابع: أن تكون القوامة بيد الزوجة، ومن هنا تتعثر مصالح الأسرة ولابد، وذلك بحكم طبيعة المرأة، تلكم الطبيعة التي تطلب منها الاستقرار في البيت للقيام بوظيفة الإنجاب والتربية ومصالح البيت والأولاد أحسن قيام، مما يفوت عليها الاطلاع الشمولي على مجريات الأحداث خارج البيت،
وهو ما يجعلها غير قادرة على القيام بمهمة كهذه، فإن فعلت فهو تقمص لشخصية غير مناسبة، وإسناد للأمر إلى غير أهله، فتضيع قوامة الأسرة، بالإضافة إلى مصالح البيت والطفل، كما هو شأن البيوت التي جرفتها موجة التغريب.
فلم يبق إلا الحل الإسلامي الذي أمر به من خلق الخلق، وهو أعلم بما يصلحهم وينفعهم (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وهو أن تكون القوامة بيد الرجل.
قال سبحانه وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34]
فالله جعل القوامة للرجل على المرأة، وعلل ذلك سبحانه بتفضيل الرجل على المرأة، وبإنفاقه عليها من ماله، فمن أنفق كان له حق الإشراف، وهذا تقرره كل الشرائع .
وأما تفضيل الرجل على المرأة فهو تفضيل لا يغض من كرامتها، ولا ينال من مكانتها، فهي لها مجالها ووظيفتها التي لا يستطيع الرجال القيام بها.
فهي وإن كانت أضعف من الرجل في تحمل مسؤولية وأعباء القوامة إلا أنها أكثر منه صبراً وجلداً وسهراً على تربية الأولاد، والعناية بمصالح البيت التي لو وكلت إلى الرجل لضاق بها ذرعاً، ولعجز عنها.
كما أن القوامة ليست استعباداً للمرأة، ولا تسلطاً عليها من قبل الرجل، بل هي قوامة تصان فيها كرامتها، وتنال بها حقوقها على أكمل وجه، فالله جل وعلا يقول:
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] .
فقوامة الرجل على المرأة في الإسلام قوامة رعاية وإدارة وحفظ لا قوامة تسلط وتجبر واستعباد.