الله قريب

|

صحبتنا هذه المرة مع آية عظيمة تشدو معها الروح؛ فتودع أحزانها، ويرتوي القلب من فيوضها؛ فيزول عنه عطشه، ويُجبر كسره، ويُحتضن بها حضناً دافئاً ينسيه همومه وغمومه، فتشرق النفس عزيمة وإرادة، مسابقة في ميادين الظفر بلا كل ولا ملل، بلا خوف ولا وجل، لا تعرف خوراً ولا هزيمة مهما كانت قساوة الظروف.

إنها آية الجبر، ودعوة إلى الأمل بالله، وتطليق الهموم والأحزان في قوله تعالى في محكم التنزيل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [سورة البقرة:186].

قال السعدي رحمه الله: (هذا جواب سؤال، سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه، فنزل (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب…) لأنه تعالى الرقيب، الشهيد، المطلع على السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو قريب أيضا من داعيه بالإجابة….).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأحكام، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجابتهم كما قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)، (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)، إلى غير ذلك من مسائلهم. فلما سألوه عنه سبحانه وتعالى قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، فلم يقل سبحانه “فقل” بل قال تعالى: (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ). فهو قريب من عباده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لما كانوا يرفعون أصواتهم بالذكر والدعاء فقال: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمّا ولا غائبا، إنما تدعون سميعا قريبا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)).

فيا أيها المحزون، أتستسلم لأحزانك وقد أدخلك الله في زمرة عباده الذين خصهم بالرحمة والمعية وإجابة الدعوات مهما كانت تبدو لك مستحيلة؟

فهو الذي يقول للشيء كن فيكون، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؛ وإنما يختار لعباده المؤمنين بحكمته وعلمه ما يصلحهم ويبعد الأذى عنهم، وليس للمؤمن إلا أن يحمل هم الدعاء فيتذلل فيه لربه، وينكسر على عتباته، ويبكي بكاء الرضيع الذي يطلب حليب أمه، ويستغيث استغاثة من أوشك على الهلاك والغرق في بحر تلاطمت أمواجه كالجبال، وهو كالقشة بينها لا شيء معه ينجيه.

إذا فعل المؤمن ذلك فليبشر بقرب الله ومعيته، ولو لم يكن من بركات الدعاء إلا ذاك لكفى، فإن لذة القرب عندما تلامس القلب، فتغيب الروح عن كل شيء سوى ربها؛ لهي أجمل وأعذب اللذات، ولو علم بها أهل القصور وملوك الأرض لجالدوا عليها الفقراء والضعفاء بالسيوف.

تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في قصة المجادلة: (تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم  تكلمه وأنا في ناحية من البيت ما أسمع ما تقول، وأنزل الله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة]).

فيا أصحاب الحاجات أقبلوا فإن الخير آت، لا تستعظموا همومكم وأحزانكم؛ فإن الله أعظم منها، ومن أحسن الظن بربه فقد نال مطلوبه وأعظم منه.

يا صاحب الهم إن الهم منفرج
أبشر بخير فإن الفارج اللــــــه
اليأس يقطع أحيانا بصاحبــه
لا تيأسن فإن الكافي اللـــــــه
الله يحدث بعد العسر ميسرة
لا تجزعن فإن الصانع اللـــــــه
فإذا بليت فثق بالله وارض به
إن الذي يكشف البلوى هو اللـه
والله مالك غير الله من أحـــد
فحسبك الله في كلٍ لك اللــــه

بقلم: أم جليل مهني

٢٠ رمضان ١٤٤٦ هـ
٢٠ آذار ٢٠٢٥ م

أسنة_الضياء

@AsennatAdiyaa

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة