ليلة القدر

|

في هذِه العشرِ المباركة ليلة القدرِالَّتِي شرَّفها الله على غيرها، ومَنَّ على هذه الأمة بجزيل فضلها وخيرها، أشادَ الله بفضلها في كتابة المبين فقال تعالى:

﴿إِنَّآ أَنزَلْنَهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبِّ السَّمَاوَتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ * لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّءَابَآئِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾ [الدخان: ٣ - ٨].

وصفَها الله سبحانَه بأنها مباركةٌ لكَثْرةِ خيرِها وبَركتِها وفضلها، فمِن بركتها أنَّ هذا القرآنَ المباركَ أُنْزِلَ فيها ووصَفَها سبحانَه بأنه يُفْرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيم،

يعني يفصَل من اللوح المحفوظِ إلى الْكَتَبةِ ما هو كائنٌ مِنْ أمرِ الله سبحانَه في تلك السنةِ من الأرزاقِ والآجالِ والخير والشرِّ وغير ذلك من كلِّ أمْرٍ حكيمٍ من أوامِر الله المُحْكَمَةِ المتْقَنَةِ التي ليس فيها خَلَلٌ ولا نقصٌ ولا سَفَهٌ ولا باطلٌ ذلك تقديرُ العزيز العليم.

وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: ١ - ٥]. 

الْقَدرُ بمعنَى الشرفِ والتعظيم أوْ بمعنى التقديرِ والقضاءِ؛ لأنَّ ليلةَ القدر شريفةٌ عظيمةٌ يقدِّر الله فيها ما يكون في السنةِ ويقضيهِ من أمورِهِ الحكيمةِ.

﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ يعني في الفضل والشرفِ وكثرةِ الثواب والأجر ولذلك كانَ مَنْ قامَهَا إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه.

﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ الملائكة عبادٌ من عباد الله قائمون بعبادته ليلًا ونهار.

﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩، ٢٠]، يتنزلون في ليلة القدر إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة.

﴿وَالرُّوحُ﴾ هو جبريل -عليه السلام- خصَّه بالذكر لشرفه وفضله. ﴿سَلَامٌ هِىَ﴾ يعني أن ليلة القدر ليلةُ سلامَ للمؤمنين من كل مخوف لكثرة من يعتقُ فيها من النار، ويَسْلمُ مِنْ عذابِها.

﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ يعني أن ليلة القدرِ تنتهي بطلوعِ الفجرِ لانتهاءِ عملِ الليلِ به.

وفي هذه السورةِ الكريمةِ فضائلُ متعددةٌ لليلةِ القدرِ:

الفضيلةُ الأولى: أن الله أنزلَ فيها القرآنَ الَّذِي بهِ هدايةُ البشرِ وسعادتُهم في الدُّنَيا والاخرِهِ.

الفضيلةُ الثانيةُ: ما يدُل عليه الاستفهامُ من التفخيم والتعظيم في قولِه: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾.

الفضيلةُ الثالثةُ: أنَّها خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ.

الفضيلةُ الرابعةُ: أنَّ الملائكةَ تتنزلُ فيها وهُمْ لاينزلونَ إلاَّ بالخيرِ والبركةِ والرحمةِ.

الفضيلةُ الخامسةُ: أنها سَلامٌ لكثرةِ السلامةِ فيها من العقابِ والعذابِ بما يقوم به العبدُ من طاعةِ الله -عز وجل-.

الفضيلة السادسةُ: أنَّ الله أنزلَ في فضِلِها سورةٌ كاملةً تُتْلَى إلى يومِ القيامةِ.

ومن فضائل ليلةِ القدرِ ما ثبتَ في الصحيحين من حديث أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أن النبيَّ ﷺ قالَ: (من قَامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه)، فقوله إيمانًا واحتسابًا يعني إيمانًا بالله وبما أعدَّ اللهُ من الثوابِ للقائمينَ فيهَا واحتسابًا للأجرِ وطلب الثواب.

وهذا حاصلٌ لمنْ علِمْ بها ومَنْ لم يعلَمْ لأنَّ النبي ﷺ لَمْ يَشْترطِ العلمَ بهَا في حصولِ هذا الأجر.

وليلةُ القدرِ في رمضانَ، لأنَّ الله أنزلَ القرآنَ فيهَا وقد أخْبَرَ أنَّ إنزالَه في شهرِ رمضانَ، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر:١]، وقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:١٨٥].

فبهذا تَعَيَّن أنْ تكونَ ليلةُ القدرِ في رمضانَ، وهي موجودةٌ في الأمَم وفي هذه الأمةِ إلى يومِ القيامةِ لما روى الإِمامُ أحْمَدُ والنسائيُّ عن أبي ذَرٍّ -رضي الله عنه- أنه قال:

(يا رسولَ الله أخْبرنِي عن ليلةِ القَدْرِ أهِي في رمضانَ أمْ في غيرهِ؟ قال: بلْ هِي في رمضانَ. قال: تكونُ مع الأنبياءِ ما كانُوا فإذا قُبِضُوا رُفِعَتْ أمْ هي إلى يومِ القيامةِ؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (الحديث).

لَكِنْ فضلُها وأجْرُها يختَصُّ والله أعَلْمُ بهذه الأمةِ كما اختصتْ هذه الأمة بفضيلة يوم الجمعة وغيرها من الفضائل ولله الحمدِ.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة