هذا الثغر، ليس ثغرَ فردٍ واحد من أفراد المجتمع، وهذهِ المسؤليّة، ليست مسؤليّة فارِس واحد من فرسان الإسلام، وهذهِ المعركة، ليست معركة جُنديٍّ واحد من جنود الأمة؛ إنما هي معركة الجميع، وثغر الجميع، ومسؤليّة الجميع. فمَن لم يقُم مِنّا ليحمي حِماه، فلا نعدّه من جُندنا، ولا يمُتّ لأمّتِنا بصلة. وإن تخاذَل، كان أول من نقف لهُ بالمرصاد؛ لئلا يُثني عزيمة الجيش كُلِّه؛ بسبب تخاذله وضعفه، فلا نجد بعدها إلا قلّةً قليلةً تُعَدّ بأصابِع اليد الواحدة.
ولو كانت هذهِ المسؤليّة فرديّة، لَما نهضت الأُمّة، ولَاعتمد كل فردٍ منّا على حاملها، حتى يُثني ثقل الجهد ركبتيهِ، فيسقُط مغشيّا على قلبه شهيدًا. ولو وُضِعَت على عاتِق شخصٍ واحدٍ ليذود عن حياض هذا الدين وحدهُ، لَما أفلحنا!
ولقد رأينا الصحابة -رضوان اللّٰه عليهم- يَذودون عن هذا الدين ذودًا تقفُ لهُ الجبال الشّامِخات خضوعًا مُذعِنة، ويذبّون عن نشر نور العَدل في أصقاع الأرض ضربًا بالسّيوف أعناق الظلام، وهم يقفون صفًا واحدًا، جنبًا إلى جنبٍ، بجوارِ الحَبيب المُصطفى ﷺ، ينصرونهُ ويؤيّدونهُ بإيمانهم.
ولو أنّهم تركوهُ وخلّوهُ وخذلوه، ولو أنّهُ استغنى عنهمُ، لكان اللّٰه كافيهِ ومؤيّده وناصره؛ لكن اقتضت حكمة اللّٰه أن يُعلّمنا أهمية العمل الجماعي؛ لنصرة هذا الدين، وحماية مُقدّسات هذهِ الأُمّة، وأنّ هذهِ مُهمّة الجميع، ومسؤليّتهم جميعًا.
فلا تتقاعسوا عن العمل، ولا تتخاذلوا مُتكاسلين، مُتّكئين على غيركم، إن رأيتموهُم ثابتين؛ فلا تُحمِّلوهم فوق طاقتِهم حملًا ثقيلًا.
وإنكم لتَرون اليوم ما يصنع بنا أعداؤنا، وكيف جيادنا كَلمى، وكيف جُنودنا جَرحى، وكيف نساؤنا ثكلى، وكيف هو حال أُمّتنا يُدمي الفؤاد، ويُفتّت الأكباد، حتى تقِف لهُ النُّفوس حائرات، وكل منّا ينتظر ثبات أخيهِ لثبُت!
إنَّ خسارة المال والولد، لهوَ أهون مِن خسارة الدِّين، وإن خسارة الدِّين، لهوَ أعظم من خسارة الرُّوح. وإنما الكرامة والعِزّة والشّرف والإباء والإقدام والشّجاعة… سِمات لو لم يكُن الدِّين، لَما كانت. فانظروا أين أنتم من هذا الدِّين، وأين موقعكم من هذا الثّغر، وأين موقفكم في هذهِ المعركة.
أيّد اللّه من أخلَص وصدق، وثبَّت الثّابتين منّا،
ومَن لم يثبُت، وسعى في تخاذُلهِ هوانًا، فلا سَلام عليهِ.
