من طبيعة النفس البشرية أنها تؤثر بمن تُصاحب، وتتأثر بمن يصاحبها، وقد جاء في الحديث النبوي كلامًا بليغًا؛ وصف به النبي ﷺ أنواع هذا التأثير؛ فقال: «مثل الجليس الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تبتاع منه، وَإِمَّا أَنْ تجد مِنْهُ ريحًا طيبة؛ ونافخ الكير: إِمَّا أَنْ يحرق ثيابك، وَإِمَّا أَنْ تجد ريحًا خَبِيثَةً».
فتأمل دقة هذا الوصف البليغ عن تأثر النفس بما يحدث حولها!
حيث بين ﷺ أن الجليس إن كان صالحًا؛ أثر تأثيرًا حسنًا علىٰ صاحبه في كل الأحوال -علىٰ تفاوت فضل ذلك التأثير-؛ وإن كان الجليس فاسدًا؛ أثر علىٰ غيره تأثيرًا ضارًا -علىٰ تفاوت ذلك الأثر السيء وتبعاته علىٰ النفوس، كلٌ بحسب طبيعتها.-
ويتغير انجذاب النفوس، وحبها للأشياء والأشخاص؛ بحسب هذه المدخلات وغيرها؛ فكان المرجع عند مراجعة النفس: هو النظر لما تحب، وتألف، وتصاحب؛ فإن كان خيرًا؛ فخير، وإن كان شرًا؛ فشر؛ فيراجع العبد نفسه وإيمانه بحسب ذلك، وعلىٰ ذلك دل الحديث عنه ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُر أَحَدُكُم مَنْ يُخَالِل».
وقال ﷺ في الحديث الذي روي في الصحيحين: «المَرْءُ مَعَ مَن أحَبَّ».
فكانت منزلة المرء في الآخرة مع من أحبهم، واتبعهم علىٰ أساس تلك المحبة؛ قال سفيان الثوري: “ليس شيء أبلغ في فساد رجل وصلاحه من صاحب.” اهـ
وقال: [من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدىٰ ثلاث:
- إما أن يكون فتنة لغيره.
- وإما أن يقع في قلبه شيء؛ فيزل به؛ فيدخله الله النار.
- وإما أن يقول: “والله ما أبالي ما تكلموا، وإني واثق بنفسي”؛ فمن أمن الله علىٰ دينه طرفة عين؛ سلبه إياه.] اهـ
وبذلك تتجلىٰ الحكمة الإلهية من النهي عن مجالسة أهل البدع والمعاصي؛ فإن لم يكفر الشخص، ويفتتن بدينه؛ بمتابعة ما يعرضه ويروج له الكافرين من الشبهات؛ فإن مجرد الاستهانة بفعله يجعله ذلك علىٰ خطر يخشىٰ عليه أن يُظلم عليه قلبه؛ إثر تراكم الذنوب عليه!
وهذه المعاني الجليلة في مجانبة أهل الزيغ وتبعات مصاحبتهم؛ جاء بها ما لا يحصر من النصوص الشرعية والآثار؛ لا يجحدها إلا سفيه مكابر؛ لأن ديننا الحنيف حث علىٰ وأد الفتن ودرءها، وسد الذرائع التي قد توصل المرء للكفر، والافتتان في دينه أو دنياه.
وحكم ملازمة أعمال الأنمي -التي تروج للكفر والفساد بكل صوره-؛ كحكم مجالسة أهل الزيغ في الواقع، وكانت لتلك الملازمة آثار وتبعات علىٰ نفوس مشاهديها -العرب والمسلمين-؛ فافتتن بها من افتتن من الصغار والكبار؛ فحتىٰ العمر لم يشكل فارقًا بذلك.
فالذين تأثروا بهذه المواد من مشاهديها ومدمنيها ينقسمون إلىٰ أقسام:
القسم الأول: وقعوا بنواقض لشهادة: (لا إله إلا الله محمدًا رسول الله)
فأحبوا الكفار، وفضلوهم، واعتقدوا أنهم أفضل من المسلمين -ثقافة وحضارة-؛ فكانت موالاتهم ومعاداتهم حسب ذلك، وهذه من النواقض التي تهدم أصل العقيدة السليمة في قلوبهم؛ مَن وقَع فيها منهم؛ أخرجته من الملة، ولو عمل بعمل أهل الإسلام ظاهرًا؛ كما بيَن ذلك العلماء؛ فمن وقع بشيء من الكفر الأكبر؛ يكون كافرًا، ويترتب علىٰ ذلك: حرمانه من الجنة، وحرمانه من المغفرة، وإحباط جميع عمله، وخلوده في النار؛ كل ذلك إذا لم يتدارك نفسه بالتوبة في الدنيا، والكَيِّس حريصٌ علىٰ نفسه، محاسب لها.
القسم الثاني: اعتادوا علىٰ مشاهدة كبائر الذنوب، وألفوها
كالقتل والزنا والشذوذ؛ ولذلك آثار علىٰ النفس، ومنها:
تقبل منتكسي الفطرة:
ينتشر الترويج للشذوذ مع تصالح المشاهدين العرب مع ذلك؛ وذلك بسبب أن الحوارات مدارها علىٰ أن الغاية هي متعة الإنسان ولذته؛ فتبرر كل الوسائل لذلك؛ كالمثلية، والقتل، والسحر، وغيرها؛ فتكون هذه الحوارات كالمقدمة لتقبل هذه الأمور والتطبيع معها؛ فهم لا يكتفون بعرض الخطيئة، بل يبررونها حتىٰ تكون أخف وقعًا علىٰ نفس المشاهد؛ فلا يستشنعها كما يستشنعها إذا عُرضت منفردة..
وقد بين لنا الله -عز وجل- هذا التكتيك الخبيث؛ فنهىٰ سبحانه وتعالىٰ عن اتباع خطوات الشيطان، ولم ينه عن اتباع الشيطان مباشرة؛ لأنه يُستبعد أن يُتبع الشيطان مباشرة مع علم من يتبعه بذلك؛ فلا بد أن يسبق ذلك مقدمات تجعل الشخص يقبل علىٰ اتباعه وطاعته، وهذه المقدمات تُلهمها الشياطين لهؤلاء الكتاب وصناع المحتوىٰ الفاسد، ومن نتائج ذلك؛ نرىٰ أن المشاهدين منهم من يبرر للشذوذ الجنسي، ومنهم من يغضب إذا نُهي عن مشاهدتها، ويقول: ما شأني؟
وأفضلهم حالًا: يصمت، مع إقراره بفسادها.. وقليل منهم من ينكرها، والكثير من المشاهدين اندثر إنكار المنكر في داخل نفوسهم؛ حتىٰ أصبحوا لا ينكرون منكرًا، ولا يأمرون بمعروفٍ.
الاكتئاب، والاضطرابات النفسية:
إن الانعزال عن المجتمع، والانهماك في متابعة حلقات الانمي ذات الطابع المأساوي، التي جُل حوارتها عن عدم الإيمان، وعدم وجود معنىٰ للحياة، والعدمية، والالحاد، وجلد الذات؛ لابد أن يؤثر علىٰ شخصية الإنسان وتصوراته؛ ذُكر في تقرير نشره موقع “نون بوست”؛ استنادًا علىٰ دراسات أجريت بين (2001 / 2010): ”مشاهدة المقاطع التي تحوي قسوةً، أو أفعالًا همجية وإجرامية؛ سواء كانت حقيقة أم تمثيلية؛ بغرض المحاكاة لأحداث واقعية، أم حتىٰ بحال كانت قصصًا خيالية؛ تدفعك المشاهدة إلىٰ التعاطف مع الضحية.
وهذا قد يسبب لك نوعًا من الصدمة، بالنيابة عن الضحايا الحقيقيين؛ ولهذا يعتبر شهود العيان لمأساةٍ ما –وإن لما يكونوا قد تعرضوا للعنف– ضحايا أيضًا؛ لمجرد رؤيتهم ذلك، واختبار مشاعر الصدمة والخوف عن قرب؛ خاصةً عند رؤيتهم لمظاهر العنف مع الشعور بالعجز وعدم القدرة علىٰ إيقافه أو مساعدة الضحايا؛ أما في حالة مشاهدة المقاطع الحقيقية؛ فقد تبعث علىٰ الشعور بالعجز، والحزن، والاعتقاد الدائم بأن العالم مكان غير عادل ومخيف، كما تحفز مشاعر القلق، والإحباط، والاكتئاب“.
وذُكر تجربة في المقالة ذاتها،” إيناس عبد العزيز”، تدرس فرع العلوم الجنائية، وتقول إنها كانت تتابع هذا النوع من المشاهد عندما كانت أصغر عمرًا؛ بسبب جهلها لما قد تحمله من آثار ضارة علىٰ النفس: “لا أعتقد أن دافعي كان الفضول، وإنما الرغبة في تقليد ما يفعله كل من حولي؛ فعندما أسمع أحاديثهم عن مقطع أو صورة ما؛ كنت أحس بأني عليّ أن أراها أنا أيضًا!
أما الآن؛ حتىٰ إن أحسست بالفضول أمنع نفسي من فتح أي فيديو أو صورة أعلم أنها تحوي أي نوع من أنواع العنف؛ لأن هذه المقاطع تترك عندي أثرًا سيئًا جدًا، يتراوح بين الإحساس بالانفصال عن الواقع، وتأنيب الضمير؛ لأنني أعيش حياة طبيعية، بينما غيري يعيش المعاناة؛ بالإضافة للإحساس بالمسؤولية والعجز، ولم يكن إدراكي آنذاك يسمح لي بفهم أنه لا يمكن لإنسان أن يجتث جميع الشرور في العالم، وفي بعض الأحيان كان الأثر يمنعني حتىٰ عن ممارسة حياتي الطبيعية لأيام”.
فلك أن تتخيل ما يعانيه مشاهد الأنمي!
حيث يجلس أمام الشاشات مئات الساعات من عمره يشاهد مشاهد عنف، وقتل، وحوارات كئيبة عن الانتحار، والاستهانة بقيمة النفس والآخرين؛ أفلا يكتئب؟
والحقيقة أن الاكتئاب يفشو بين متابعي الأنمي العرب بشكل مخيف، وهذا ما نشاهده في صفحاتهم وحساباتهم الشخصية؛ وأما بين غير العرب المسلمين؛ فقد قاد الكثير منهم إلىٰ الانتحار.
فحسب الدراسات التي أجريت في اليابان التي نشرها موقع أمان: ”يذوب متابعي الأنمي -المانجا- في شخصياته المرسومة حد الهوس، ليس من الأطفال فقط، بل اليافعين والشباب؛ حتىٰ تأسر مشاهد الأنمي الخيالية والصادمة قلوب المتابعين؛ فتعطيهم المخدر لتخرجهم من الواقع، وتدفعهم نحو دوامة الاضطرابات؛ مثل: الخجل الاجتماعي، وتبلد المشاعر، والقلق، وضعف الثقة بالنفس، وهي سمات واضحة علىْ أغلب محبي الأنمي الياباني، قد تنتهي في كثير من الأحيان بالانتحار”. اهـ
ويعد الانتحار السبب الرئيسي للوفيات في اليابان، وهذا ملاحظ في غالب الدول التي ينتشر فيها الإلحاد، كما يعد الإلحاد من الأسباب الكبرىٰ في انتشار الأمراض النفسية والجريمة؛ يقول فيودور دوستويفسكي: ”إن لم يكن هناك إله؛ فكل شيء مسموح به”، وهذا هو جوهر ما يعتقده الملحدين، وأساس ما يفعلونه من جرائم.
فقد ذكر في مقالة نشرتها أنباء إكسبريس إحصائية عن تعلق الإلحاد بالجريمة: “لم تعرف البشرية عبر تاريخها الطويل جرائم بهذه البشاعة التي مارسها الإلحاد المعاصر خلال فترة زمنية من ظهوره لم تتجاوز 100 عام؛ فقد ارتكب الإلحاد المعاصر من الجرائم الإنسانية والأخلاقية خلال هذه الفترة القصيرة ما لم ترتكبه الحضارات علىٰ مدار تاريخها الطويل؛ حيث أتىٰ الإلحاد المعاصر في المرتبة الثانية من حيث قتله للأفراد بعد الكنيسة المسيحية؛ إذ بلغ عدد الأرواح التي حصدها الإلحاد 100 مليون قتيل، وكانت الدول الشيوعية أقسىٰ نموذج يتبنىٰ الإلحاد؛ حيث ارتكبت جرائمها المتوحشة في كلٍّ من: روسيا، والصين، وكمبوديا، وغيرها”. اهـ.
وننبه هنا أن أول وأعظم جريمة ارتكبها الملحدين؛ هو جحد الخالق -سبحانه وتعالىٰ-، وأن جرائمهم الأخرىٰ إنما هي تبعات لجريمتهم الأولىٰ.
ولطالما كان البعد عن شريعة الله -عز وجل-، وعن الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها؛ سببًا في خراب المجتمع، جماعاتٍ وأفرادًا، هذه الحقيقة التي لا شك فيها؛ كثيرًا ما سمعناها في الخطاب القرآني، عِبَرٌ من قصص الأمم التي كفرت بالله تعالىٰ؛ فصلاح الفرد والمجتمع لا بد أن يكون علىٰ أساس قويم، وعقيدة سليمة راسخة؛ فيتجلى معنىٰ “إنا لله وإنا إليه راجعون” في سائر الأعمال، والأقوال، والتعاملات؛ بين أفراد ذلك المجتمع.
والاحصائيات في المجتمعات الكافرة، والتي تظهر بين الحين والآخر؛ مخيفة، تتفطر منها القلوب، وتقشعر منها الأبدان؛ من أن يصيب أمتنا كما أصابهم، نسأل الله العافية!
تضاعفٌ بأعداد المسنين؛ يقابله تضائل بالمواليد، أممٌ مهددة بالانقراض والاندثار، مع إحصائيات مرعبة للانتحار والاكتئاب، وانتشار الشذوذ بأقبح صوره وأشكاله، والدعارة، والسحر والشعوذة، وكذلك التعاسة التي مرجعها عدم الإيمان بالله واليوم الاخر.
كل هذا وأشد منه يُعرض في أعمال الأنمي، مع تزايد أعداد المشاهدين من المسلمين والعرب، والسؤال هو: كيف تُجعل هذه المواد السامة موادًا ترفيهية؟ وكيف تسوغ لك نفسك -أيها المسلم- المشاهدة والاستمتاع بكل ما يعرض من كفر وفساد؟ أليس من صفات المؤمنين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حيث أمر الله – عزوجل- بذلك؛ فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}
[آل عمران:110].
ألم يذم الله تعالىٰ الكافرين، ويعيب عليهم عدم إنكار المنكر، فقال: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79].
وليُعلم: أن أعظم ما يُعاقب به الله – عز وجل- مجتمع في الحياة الدنيا؛ هو الكفر به، والإعراض عن دينه وشرائعه، وانتكاس الفطر، وأي مصيبة أعظم من هذه المصيبة! وأي عقاب أشد من هذا العقاب؛ لو كنتم تعقلون!
ضعف مهارات التواصل الاجتماعي:
إن ضعف تقدير الذات، والخجل، والثقة المهزوزة بالنفس؛ تنتشر بين مدمني مواقع التواصل الاجتماعي، والأنميشين خاصة، ويصرح بذلك أصحاب الصفحات المشهورة المهتمة بالأنمي؛ فيصرحون باكتئابهم، وخجلهم، وضعف مهاراتهم الاجتماعية التواصلية؛ فتحصد الصفحات العامة التي تنشر الميمز عن ذلك آلاف اللايكات والتعليقات الموافقة علىٰ ذلك من متابعي الأنمي أنفسهم؛ فهم يعترفون بذلك صراحة ولا ينكرونه، وهذا الأمر منتشر بينهم بشكل لا يمكن إحصاءه أو حصره؛ وذلك لقضاءهم معظم أوقاتهم في المشاهدة، عالقين في الوهم، والقصص الخيالية الدموية؛ فيأخذون تصورًا خاطئًا عن الحياة، ويعيشون آلامًا وهمية لأشياء لم تحدث علىٰ أرض الواقع، أشياء لم تحدث إلا برؤسهم، أو الأنمي المفضل لكل منهم؛ فينعزلون بذلك عن العالم الذي حولهم؛ كارهين له، أو يكون علىٰ نقيض ذلك؛ وهو تصور أحدهم أنه لا يمكنه الخروج والانخراط في المجتمع إلا بشخصية مثالية خالية من العيوب؛ كشخصياته المثالية والخارقة التي يحبها في الأنمي، وآخرون غارقون في التفاهة!
إن الانشغال بكل ذلك في منأىٰ عن الحياة الواقعية؛ لا شك يؤدي بهم إلىٰ العزلة المرضية، والاضطرابات النفسية، وضعف الشخصية.
ترفيه أم تسميم؟
يهتم صُناع الأنمي والمانغا بتركيب شخصيات ذات قصص، ونهايات درامية من الدرجة الأولىٰ؛ مما أكسبهم شهرةً كبيرةً في جميع أنحاء العالم؛ حيث لا تكاد تجد متابع أنمي ليس لديه ولو شخصية واحدة؛ أثّرت فيه تفاصيلها ونهايتها المؤثرة، لكن هل تساءلنا ما هي ضريبة كل هذا الاستنزاف الوجداني والعقلي في نفوس المتابعين؟
النشوة، والحماس، والحزن، والسعادة التي يشعر بها المتابع؛ تعني أنّ كميات مضاعفة من الأدرنالين تدفقت في جسده، وهذا ما يجعل معظم المتابعين يعتبر هذا العالم مهربًا من ضغوطات العالم الحقيقي، لكن في المقابل؛ فإنّ أجسادنا لم تُخْلق لاعتياد هذا التدفق الكبير من الهرمونات؛ مما سيصنع أعراضًا أخرى مصاحبةً لتلك المتعة اللحظية؛ حيث سيصبح الشخص أكثر هشاشة وحساسية، سريع الانفعال، دائم الشعور بالحزن والاكتئاب، متقلب المزاج، مفرطًا في التفكير، يصاب أحيانًا بالأرق والقلق..
مما سيدفعه إلى الهرب مجددًا لتلك العوالم، والإحساس بالمتعة اللحظية، ثم يمر بنفس الأعراض السابقة، مع زيادة في حدتها؛ فلم يزده الالتجاء إليهم إلا تِيهًا!
وأغلب المتابعين هم من الشباب واليافعين، يعني ابتداءً؛ هي مرحلة عمرية تستدعي الإحساس ببعض المشاعر المرهِقة؛ فعندما تشعر أنّ كل العالم لا يفهمك، وأهلك لا يقدرونك، ولا تجد صديقًا مناسبًا، وضغط الدراسة الأكاديمية، وغيرها من الأشياء؛ ليست مبررًا أبدًا للبحث عن عالمٍ موازٍ تهرب إليه؛ بل إن تلك العوالم نفسها إذا أمعنت في تأملها ستجدها تخبرك أن هذه الحياة خُلقت لتواجهها، لا لتهرب منها وتتباكى في الزاوية!
فإذا لم تتعلم التعامل مع من حولك، وفهمهم، وفهم نفسك والجلوس معها، والبحث عن حلول علمية، شرعية، سلوكية؛ وتتقبل واقعك بكل جراءة دون الهرب للوهم؛ إذا لم تفعل ذلك الآن؛ فمتى ستنضج إذن؟
متى ستكون قادرًا علىٰ تحقيق طموحاتك، وعيش حياة ترضاها لنفسك!
الرومانسية (بوابة الاباحية):

الرومانسية مفهوم يصوره الإعلام علىٰ أنه:(علاقة محبة، مخلصة، متفانية، وعاطفية؛ قبل الزواج بين شاب وشابة، يسعيان لإرضاء وإسعاد بعضهما البعض، ويقاتلان من أجل إدامة هذه العلاقة رغم كل الصعاب -أحيانًا تنتهي بالزواج-، ومعظمها تبدأ بداية غير منطقية (نظرات)، ثم يتفاجأ الطرفان أن كل واحد منهما هام بالآخر)!
فما هي الآثار التي يحدثها هذا الطرح في سياقات المتأثرين به؟
الأعمال اليابانية -بالذات- تعرض في نفس العمل صور متناقضة، وتصنع روابط إيجابية بينها في عقل المتابع دون وعي؛ فتحكي القصة عن زوجين لطيفين يتقاسمان حلو الحياة ومرها؛ بكل إخلاص وتفاني، وفي نفس العمل توجد علاقات رومانسية بين النساء والرجال قبل الزواج؛ مليئة بالمحبة والهيام والتضحية؛ فيبدو كمجتمع متجانس متصالح مع العلاقات قبل الزواج، ومليء بزيجات حقيقة ناجحة، بل ومثالية.
وهذه الصورة هي مجرد وهم وحلم من أحلام الحداثيين؛ فيستحيل أن يؤدي الانفتاح في العلاقات الرومانسية إلىٰ الحفاظ علىٰ معدل متوازن؛ من علاقات الزواج المستمرة الناجحة في نفس المجتمع، بل الملاحظ هو انتشار معدلات الطلاق والعنف بين الأزواج، والكثير من المصائب التي سببتها الرومانسية؛ كما سنوضح تاليًا.
ومن أهم آثار الأعمال الرومانسية:
اعتياد النظر لشاب يحب شابة، وشاب مغرم بشابة، وشاب يتودد لشابة، والعكس- يجعل نفس المشاهد تتوق للدرجة التي بعدها من المحبة (رؤية المتاحبين في مشاهد أكثر حميمية)، وهذا ملاحظ في وسائل التواصل؛ حيث تظهر ردود أفعال متابعي الأعمال التي فيها رومانسية خفيفة؛ فينطلق المتابعين في رسم الشخصيات في وضعيات ليست ضمن العمل الأصلي، بل من خيال المفتونين بالقصة، ورجاؤهم بأن تكون نهايات القصص مماثلة لأحلامهم، وباعتراف المتابعين أنفسهم؛ كانت هذه الأعمال بوابتهم لدخول الأعمال ذات التصانيف الإباحية والفاحشة.
يقول ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد: “دافع الخطرة، فإن لم تفعل؛ صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل؛ صارت شهوة، فحاربها؛ فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها؛ صارت فعلًا، فإن لم تتداركه بضده؛ صار عادة، فيصعب عليك الانتقال عنها.” اهـ
من آثار الأعمال الرومانسية علىٰ حياة المتابع الواقعية:
تصور مثالي وخيالي للعلاقات، وللجنس الآخر:
فيتصور الشاب أن المرأة مجرد آلة جنسية، وهذا مُشاهد في أقصىٰ ما توصل إليه مهووسي أعمال الأنمي؛ من تزوج لشخصيات وهمية، مصورة علىٰ وسادة، أو مجسدة في دمىٰ!
فهذا الشاب تَشَوه مفهومه للمرأة نفسها، ناهيك عن العلاقة معها؛ فلم يعد لروح المرأة الحقيقية وجسدها معنىٰ أو قيمة؛ حيث يمكن لوسادة أن تشغل مكانها!
وتصبح الفتاة (علىٰ الجانب الآخر) متطرفة أيضًا في رغباتها؛ باحثة عن نسخة شريك لا وجود له إلا في أحلامها؛ كما تجسد الرومانسية الشاب معسول الكلام ليل نهار، صاحب الجسد المثالي، والملامح المثالية، والقوة الفاتنة؛ إما قوة من حيث التركيب العضلي، والقدرات الخارقة عقليًا؛ من ذكاء وعبقرية، أو جسديًا، وإما قوة المال والثراء.
النقص:
وكما تصنع الرومانسية نظرة جشعة؛ باحثة عن الكمال في الآخر؛ فإنها كذلك ترسخ إحساسًا عميقًا بالنقص في نفوس متابعيها، حين تقارن الفتاة نفسها بحبيبة البطل التي أسرت قلبه بمجرد أن رأها لوهلة، وتقارن نفسها بفتيات تلك الأعمال عمومًا؛ وهن شديدات الجمال، يخطفن قلوب كل الحضور بمجرد بروزهن؛ فتشعر المتابعة بمنافسة وهمية معهن، وأنها خسرت خسارة فادحة أمامهن!
وحدث ولا حرج في كيف ستحاول إشباع هذا النقص؛ بدءًا من محاولة تقليد تلك الشخصيات، من خلال “الكوسبلاي”، والملابس، وتلوين الشعر، والشعر المستعار، والماكياج؛ مرورًا بالفلاتر، وتحويل الصور الشخصية بتصاميم أنمي، وصولًا في حالات متأخرة من الهوس لعمليات التجميل!
البحث عن بطولة:
تتفنن الرومانسية في صنع علاقات قائمة علىٰ مساعدة أحد الطرفين للآخر، وانتشاله من أعماق الظلام للنور؛ بدءًا من أبسط البطولات؛ مثل: معاناة أحد الطرفين من فوبيا اجتماعية (شدة خجل أو خوف)؛ فيساعده الآخر عن طريق التشجيع لمواجهة الآخرين، أو الدفاع عنه عند تعرضه لمضايقات، أو أن يكون مريضًا بمرض مزمن أو مميت؛ فيدعمه ويعيد له الأمل بشأن الرغبة في الحياة، أو يكون منغمسًا في حياة إجرامية؛ فيكون سبب توبته، واختيار حياة سوية؛ أو يكون أحدهما صاحب ماضٍ مأساويّ حزين؛ بسبب أحداث تدعو للتعاطف معه، أو أحداث تجعل الناس ينفرون منه دون ذنب منه؛ فالوحيد الذي يشعر به ويقرأ ما تحكيه عيناه- هو هذا الطرف الآخر الذي سيُسَخِّر حياته من أجله!
وينعكس هذا الأثر خاصة عند الفتيات؛ بضمهن صفة “الباد بوي” ضمن صفات ما يرغبن به؛ كفارس أحلام؛ حيث يتخلل هذا الحلم رغبة في إصلاحه، وأن يكون متعاطي مثلًا، ثم يهتدي بسببها، أو مجرد شاب عادي مليء بالذنوب؛ فيتغير ويصبح ملتزمًا برفقتها، وتحت تأثير سحر عينيها!
الخيانة:
وحتىٰ الذين يدخلون في علاقات زواج حقيقية، وعقولهم ما زالت تحت تأثير المفهوم الرومانسي؛ فسرعان ما يشعرون بخيبة أمل كبيرة من الطرف الآخر؛ عند اكتشافهم أن البيوت لا تبنىٰ علىٰ الحب وحده، وللأسف كثير منهم يهربون من تقبل الحقيقة، ويصرون في بحثهم عن الحب الحقيقي -حسب جهلهم-؛ فتسول لهم نفوسهم والشيطان خيانة الزوج أو الزوجة؛ لأنهم لم يحققوا شكل الحب المتخيَّل في أحلامهم الرومانسية، ويرون أن الطرف الآخر مقصر، والتقصير المقصود هنا هو تقصير رومانسي بحت؛ حيث يتخيل أن علىٰ الآخر أن يكون طوال اليوم ومدىٰ حياته يتحدث بالغزل، والهدايا، ويتكلف في إظهار عواطفه..
والمظلوم يحق له البحث سرًا عن علاقة تشبع حاجته للحب المنشود؛ جاهلًا بأن البيوت تبنىٰ علىٰ المودة والاحترام أولًا، وبهما تستمر الحياة السعيدة؛ متغاضيًا عن عظم ميثاق الزواج الذي وصفه القرآن الكريم بأنه ميثاق غليظ؛ في قوله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:21].
وفي ذلك إشارة إلىٰ قوة ومتانة هذا العقد الذي يعسر نقضه؛ كالثوب الغليظ الذي يعسر شقه أو تمزيقه.
ومستهينًا بواحد من أشد الكبائر؛ فالزنا من أفحش الذنوب، ومن أكبر الكبائر التي تجلب غضب الله، وهو جريمة شنيعة لها آثارها السيئة علىٰ الفرد والمجتمع؛ فهو شر سبيل، وأخبث طريق؛ ولذلك نهىٰ الله -تعالىٰ- عن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه؛ قال تعالىٰ: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلًا} [الإسراء:32].
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: “يقول تعالىٰ؛ ناهيًا عباده عن الزنا، وعن مقاربته؛ وهو مخالطة أسبابه ودواعيه: “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة؛ أي: ذنبًا عظيمًا، وساء سبيلًا؛ أي: وبئس طريقًا ومسلكًا” اهـ
(جاذبية الأشرار):
اهتمت الأعمال الدرامية -عمومًا- واليابانية -علىٰ وجه الخصوص- بكسر النمط الشائع عن الشرير التقليدي؛ بكونه مكروهًا، عكس البطل المحبوب والمتألق؛ فعمدت إلىٰ صنع أشرار وفق فلسفات مختلفة؛ ليكتسبوا طابعًا مميزًا يجذب المشاهد، بل وينال قبولًا، وتعاطفًا، وشهرة أكثر من بطل العمل.
ومن أهم الأسباب التي دفعت المؤلفين لإنتاج مثل هذه الشخصيات- هي المنافسة الكبيرة في سوق الأفلام، والمسلسلات، والروايات؛ والتي تطلب الإتيان بالجديد دائمًا؛ لرفع نسب المشاهدة، فوفقًا لأحدث تقارير جمعية الرسوم المتحركة اليابانية- فإن سوق الأنمي العالمية نمت بنحو 2.74 تريليون ين (ما يعادل نحو 20 مليار دولار) في 2021 ميلاديًا؛ بفضل سلاسل درامية؛ مثل: (دايمون سلاير) و(بوكيمون)، وانتشار منصات البث المباشر مثل (نتفليكس)؛ ما أسهم في ازدهار هذه الصناعة!
فالمكسب المادي هدف أساسي ومحوري؛ لذا بعيدًا عن ما يسمىٰ بـ “عمق الشخصيات” ودغدغتها للمشاعر- يجب أن تدرك أن هذه الشخصيات ما هي إلا سنارة؛ لجذب الثراء والشهرة، وأنت هو الصيد!
ومن أهدافهم؛ نشر وتمجيد دياناتهم، وفلسفاتهم الفاسدة؛ فالمتأمل للتصور الذي تتبناه تلك الأعمال تجاه الخير والشر؛ يجده تصور مبني علىٰ الفلسفات الخبيثة؛ من عدمية، وعبثية، ومثالية، ومادية، والمعتقدات الباطنية الكفرية؛ كالحلول، والاتحاد، والتناسخ، ووحدة الوجود؛ كما سنبين هذا -تاليًا-؛ من خلال عرض بعض أنواع الأشرار.
الشرير في السياق الدرامي هو الذي يخلق الصراع، ويؤديه، وعلىٰ البطل حل ذلك الصراع وتأدية القصة؛ مثل: الأعمال البوليسية، والأكشن.
العوامل التي تجعل من الأشرار جذابين ومحبوبين:
ماضي الشرير الحزين:
في كثير من الأعمال يكون لماضي الشرير -أو كما يحب أن يسميه متابعوا الأنمي بالـ “فلاشباك”- التأثير الكبير علىٰ نفسية المشاهد.
كثيرًا ما يتم تبرير وصول الشخصية الشريرة إلىٰ ما هي عليه من الشر- بالظلم الذي وقع عليها في الطفولة، وبفقدها للاهتمام، أو خسارتها لعائلتها، أو لشخص تحبه؛ بطريقة مأساوية؛ ليصبح ما تفعله من شر: “انتقامًا؛ له ما يبرره”.
وينقسم بعدها الأشرار إلىٰ نوعين:
- 1- نوع قرر الانتقام من جنس كل من ساهم في ألمه القديم (شعب معين، أو البشر عمومًا، أو حتىٰ العالم كله)؛ فيهب حياته من أجل هذا الهدف.
- 2- ونوع اختار الشر كوسيلة لتحقيق الخير -حسب ظنه-؛ مثل الذي يتعرض لطفولة قاسية بسبب الفقر؛ فينخرط في أعمال الإجرام؛ لجمع ثروة وسلطة يحارب بها الفقر، ويدعم المحتاجين، حتىٰ لو كان الثمن أن يقتل ويعمل في الممنوعات؛ مثل: (بين وغايرو)؛ فمبدأهم أن: “الغاية تبرر الوسيلة”.
ونجد المتابعين يتعاطفون مع هذه الشخصية للغاية، ويحللون الشخصية بعمق، ويبكون لأجلها، ويشجعونها علىْ أعمالها؛ بل ويحزنون إذا تمت هزيمتها من قِبل البطل!
مثال آخر مهم فيما يتعلق بماضي الشخصية؛ لكونه مثالًا صارخًا علىٰ مخالفات الأنمي لعقيدة المسلم الإسلامية؛ وهو ماضي الشخصية الخالدة..
ففي بعض الأحيان تكون الشخصية خالدة، تعرضت خلال حياتها لكثير من الظلم، والصعوبات، والاضطهاد، ورأت الكثير مما يجعلها بعد فترة منعدمة الإحساس والضمير.
قوة الشخصية الجسدية والعقلية:
كلما كانت قوة الشرير أكبر؛ كلما كان أكثر جاذبية، وحتىٰ المقدرات العقلية (من ذكاء وتخطيط) تعتبر من القوة الخارقة، التي يتم استخدامها كعامل جذب أساسي؛ مثل: (لولوش، وآيزن).
في كثير من الأحيان يتم تصوير الشرير كحاكم -تستخدم بمعنىٰ إله- ذو قوة ضخمة، ومالك لعالم خاص به؛ إما أن يسجن فيه البطل، أو يدخله البطل بإرادته؛ للتغلب علىٰ الشرير؛ مثل: (قصة ساموراي جاك، أو تحكم إنيل ف سكايبيا، أو فكرة المجال في أنميات الشعوذة)؛ فيتم تصوير الأشرار كآلهة!
جمال الشخصية، وامتلاكها لكاريزما عالية:
فالرسامون يتفننون في رسم الشخصيات الشريرة، وجعل الشرير وسيمًا، ذو مظهر مُحبب للإنسان، خصوصًا الفتيات؛ فهنّ أكثر من يتأثر بهذا الجانب.
وقد يكون جمال الشخصية وفقًا للمعايير اليابانية والغربية، والتي بطبيعة الحال يتشربها المتابع العربي..
فغالبًا ما تكون الشخصية حليقة الذقن، مظهرها قريب من المظهر الأنثوي، وقد ترتدي بعض الإكسسوارات النسائية!
أما بالنسبة للشخصيات النسائية الشريرة؛ فالتركيز علىٰ الجمال يكون مهمًا؛ وهذا ما يجعل المتابع المسلم يمتدحها، رغم كونها منعدمة الحياء والأخلاق!
النهاية الدرامية للشخصية:
الخلفية العاطفية للشرير تجعل اللقاء النهائي بين البطل والشرير دراميًا -مع ما يتخلله من موسيقىٰ حزينة، وبراعة في تصوير المشهد-؛ فيدخل المتابع في حيرة؛ لأنه يعلم دوافع الشرير، بل ويقدّرها أحيانًا، فهو الآن محتار: “هل يريده أن يٌهزم، أم يريده أن ينجح”؟
وإكساب الشرير بعضًا من التعاطف الذي يبدو للمشاهد أحيانًا مربكًا- يجعل الشرير مثيرًا للاهتمام؛ كالدانشو.
المبادئ التي تعتنقها الشخصية وتدافع عنها:
جعل الشرير يبذل قصارىٰ جهده؛ من أجل وجهة نظر يؤمن بها، أو فكرة يدافع عنها، ويراها منطقية- تجعله مقبولًا لدىٰ المشاهد، حتىٰ لو لم تكن أسبابه (بالنسبة للمشاهد) منطقية أو صحيحة.
العلاقة بين الشخصية الشريرة وبطل القصة:
في بعض الأنميات؛ تُصنع علاقة شخصية بين الشرير والبطل؛ لزيادة جاذبية الشرير؛ بأن يكون أحد أقاربه أو صديق قديم؛ فيتم التعاطف مع الشرير ومحبته؛ نتيجة لمحبة البطل له، وحزنه عليه!
وطبعًا، الكثير من الأعمال تدمج كل العناصر التي ذكرناها بطريقة ذكية وجذابة، وأحيانًا تصنع شرير يكون هو بطل القصة.
ويمتد الصراع -داخل البطل نفسه أو مع المجتمع- حول المُثل الفاضلة التي يسعىٰ لها، والأساليب الشيطانية والإجرامية التي يسلكها؛ مثل: (موريارتي، وإيرين، ويوهان)؛ حيث تتحول لشخصيات مثيرة للجدل.
ومن أخطر الأنواع، والتي أصبحت تنتشر الآن بشكل أكبر: الشخصية الشريرة التي ترتكب الشر؛ لأجل الشر فقط، ولأجل الاستمتاع!
ومع أن الإنسان الطبيعي ينفر من مثل هذه الشخصيات- إلا أنها تلاقي رواجًا بين المتابعين!
ويتم التركيز فيها علىٰ الجمال أو القوة؛ لجعلها محبوبة بين المتابعين؛ مثل: هيسوكا.
وكل هذه الأنواع تروج لفلسفات لا حصر لها، لكننا هنا سنذكر نوعًا واحدًا من مصائب هذه السردية بين الخير والشر -قلما يُنتَبه لها رغم خطورتها- المتمثلة في التطبيع مع فكرة؛ مفادها: “أن في كل شر يوجد خير، وفي كل خير شر”، وهي أحد تطبيقات فكرة (الين yin) و(اليانغ yang)؛ التي ترتبط بتفسير نشأة الكون.
وهذه الفكرة مخالفة للشريعة الإسلامية؛ فهي تحرم الظلم، وتدعو إلىٰ العدل والإحسان في كل الظروف؛ فلا يبرر إيذاء الآخرين لتحقيق أهداف قد تبدو نبيلة.
وبالفعل؛ ما قد يبدو شرًا للإنسان قد يحمل خيرًا خفيًا، ولكن هذا لا يُعطي البشر الحق في افتراض أنهم يعرفون مصلحة الآخرين بشكل أفضل من الله!
واستخدام قصة موسىٰ والخضر لتبرير إيذاء الآخرين ليس له أساس شرعي، ويعد فهمًا خاطئًا للدين؛ لأسباب كثيرة، منها:
- أن الخضر كان لديه علم خاص من الله لا يمتلكه موسىٰ عليه السلام؛ لذالك لا يمكن لأحد استخدام هذه القصة لتبرير أفعالهم؛ لأنهم لا يمتلكون نفس العلم أو الوحي.
- ما فعله الخضر عليه السلام كان بناءً علىٰ توجيهات مباشرة من الله عز وجل، وليس وفقًا لتقديره الشخصي أو اجتهاده.
(وانظر رد العلماء علىٰ هذه المسألة ءاخر المنشور)
لكن هذه الفكرة خاطئة تمامًا في الأنمي، وغير مقبولة أبدًا؛ لأنهم ينطلقون -علىٰ أساس هذه الفلسفة- إلىٰ تأليه الإنسان؛ فيفعل الشرور ليضر بها الناس، وفي ظنه أنه ينفعهم!
تشوه هذه الفلسفة -بشكل غير مباشر- مفهوم الشر والخير في نفوس المتابعين؛ لأن ظاهرها يخدع ويبدو طبيعيًا لمن جذبته القصة وشخصياتها.
ويجد المتابع نفسه فجأة في دوامات فكرية، وأسئلة وجودية قد تنتهي به بالإلحاد!
حيث تم رصد عدد من الشباب الذين قادتهم أعمال مثل Aot وديث نوت إلىٰ الردة، وأهم ما يميز هذه الأعمال -كما أسلفنا- هو جاذبية “الشرير البطل”.
كما أسلفنا.. فإن تلك الجاذبية مبنية علىٰ عوامل درامية وفلسفية، ولكن المتفكر؛ المستبصر بالصورة الكاملة- سيرىٰ بوضوح كيف سحقت الشريعة الإسلامية هيبة جميع هذه العوامل!
وذالك عندما أضافت أبعاد جديدة للعلاقة بين الخير والشر، فكل هذه الفلسفات والعقائد تدور في فلك المصلحة والمفسدة، وفق رؤية الشخصية القاصرة، ووفق المصالح الدنيوية فقط، لكن الشر في الإسلام مرتبط بفساد الحال والمآل دينًا ودنيا؛ باعتبار الوحي.
وقبل أن يقول قائل: “وما علاقة هذا بما أشاهده؛ فأنا أشاهد شخصيات لا تؤمن بآخرة ولا بالإسلام، ولا أشاهدها إلا للمتعة!”
نقول: لينتبه من يقول مثل هذا الكلام، وليتعظ من غيره؛ من الذين سقطوا في شبهات مسألة الخير والشر؛ بسبب ما شاهدوه من أنميات، وتعاطفهم مع شخصياتها.. ولا يظننّ بنفسه القوة والثبات؛ فهو شاء أم أبىٰ سيتأثر بما يشاهد!
ولذا؛ حذّرنا ابن عباس -رضي الله عنه- فقال: «لا تجالس أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلوب».
فالإنسان ضعيف بطبعه، يتأثر ببيئته وتؤثر فيه؛ فالسلامة في الابتعاد عن مواطن الفتن، والاستعانة بالله تعالىٰ، وثباته السؤال علىٰ الحق.
تؤمن بعض العقائد بوجود حياة بعد الموت، ولكن صورتهم عن هذه الحياة مشوهة، خالية من المعنىٰ، وممزوجة بالخرافات..
والإيمان باليوم الآخر -وفق الوحي- هو العلاج الناجع لما يسمىٰ بـ”معضلة الشر”؛ التي أعيت عقول أعتىٰ ملاحدة العالم.
وتأمل؛ كيف عالجت هذه الآية العظيمة الشعور بالعاطفة تجاه الأشرار، وأنهم هم أيضًا لديهم أحلام ومبادئ، يدافعون عنها ويضحّون في سبيلها؛ قال تعالىٰ: ﴿وَلَا تَهِنُوا۟ فِي ٱبۡتِغَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ یَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا یَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمًا﴾.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾:
أَيْ: لَا تَضْعُفُوا فِي طَلَبِ عَدُّوِّكُمْ، بَلْ جِدُّوا فِيهِمْ وَقَاتَلُوهُمْ، وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ.
_ ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾: أَيْ: كَمَا يُصِيبُكُمُ الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ، كَذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٠].
ثمّ قالَ: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾:
أَيْ: أَنْتمْ وَإِياهمْ سواءٌ فِيمَا يُصِيبُكُمْ وإِياهُمْ من الْجرا وَالْآلام، وَلكنْ أَنتم تَرْجون مِن الله الْمثوبَةَ، وَالنّصْرَ، وَالتّأييدَ؛ وَهُمْ لَا يَرجونَ شيْئًا منْ ذَلكَ؛ فَأَنتم أَولىٰ بِالْجهادِ مِنهم، وَأَشد رَغْبة في إِقامة كَلمة الله وإِعْلَائِهَا.
_ ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾:
أَي: هُو أَعْلم وَأَحْكم فِيما يُدِّرُهُ وَيَقضيهِ، وَيُنَفّذُهُ وَيُمضيه؛ مِنْ أَحْكَامهِ الْكَوْنِيَّةِ وَالشرعِيّةِ، وَهو الْمحْمود عَلَىٰ كُلّ حَالٍ.
تأمل؛ كيف تناولت الآية بكل وضوح أنهم نعم يألمون، وليس أنتم فقط من يتألم؛ ولكن بعدها أضافت البعد الفاصل؛ الذي يجعل حال الكافر يستحيل أن يستوي مع حال المؤمن، مهما اشترك الطرفان فى الأغراض الدنيوية؛ من ألم، وحزن، وشجاعة؛ فعلىٰ المسلم أن لا ينبهر بأي شخصية تفتقر لهذا البُعد العظيم، ويحاول النظر من خلال التصور الإسلامي الشامل، بعيدًا عن ضيق أفق أهل الدنيا.
فالشر عندنا: “ما نهىٰ عنه الشرع؛ حتىٰ لو بدا ظاهره خيرًا”..
والخير: “ما دعا إليه الشرع؛ حتىٰ لو بدا ظاهره شرا”..
والشر مخلوق معلوم من الخالق مقدر منه، أوجده الله في الخَلق، والخَلق هم من باشروه وكانو سببًا فيه؛ وهذا ينسف كل قصة تتخيل عالَمًا يكون فيه الشرير هو المتحكم في أفعال المخلوقات، أو موجدًا للشر بقدرته، والعياذ بالله!
والشر ابتلاء، يُختبر به المخلوق؛ ابتداءً لتوهم لذة أو نفع؛ فيحبه ويباشره؛ فيأثم عليه ويعاقب، أو يتركه؛ فيثاب.
وهذا المبدأ يهدم فخامة معظم الأشرار؛ الذين دفعتهم نفسياتهم لحب فعل إجرامي معين؛ تلذذًا به، أو من أجل مصلحة اعتقدوها؛ فرضخوا لهوىٰ نفوسهم، وانخرطوا في تلك العوالم المظلمة.
فهؤلاء -بالنسبة لنا- صاروا مجرد طلاب رسبوا في اختبار الحياة لا أكثر؛ فالإحساس بأنك تنتمي لعالم الشر- لا يزيل عنك مسؤولية مقاومة هذا الإحساس، والموت دون الولوج فيه؛ فالذي يتبع هواه؛ بحجة أنه خُلق ليفترس- فهو مجرد هارب من أهم معركة في العالم، وهي معركته مع نفسه!
“أو يبتلى بهذا الشر -انتهاءً- حيث الاضطرار والكره (مرض، حادث، اعتداء..”
لتوهم ألم أو ضرر، ثم يثاب عليه أو يعاقب؛ بحسب عمله فيه” وهنا يخفت لمعان الشخصيات التي تعرضت لماضي مؤلم وحزين، وجعلته مبررًا لمشاريع الانتقام المجنونة؛ فكل ما يتعرض له الإنسان من ألم أو ظلم- هو تحت نطاق الاختبار، فمن جزع وتسخط؛ لا يكون ثوابه مثل من صبر وأخذ حقه بالمعروف، فإن كان مرضًا عضالًا؛ بحث عن علاج لا يغضب الله
في نفس هذه الأنميات؛ التي يَبرز فيها الشرير علىٰ أنه الشخصية ذات الصفات الأكمل من كافة النواحي- يُرَكَّز أيضًا علىٰ جعل الأخلاق الحميدة؛ مثل: (الرحمة واللين، وكظم الغيظ، والإيثار) متلازمة مع الضعف، والغباء، والحماقة؛ في تزييفٍ، وقلبٍ للحقائقِ والمفاهيم بين!
ولا يخفىٰ أثر ذلك علىٰ المتابعين؛ حيث يقلد الكثير منهم أساليب هذه الشخصيات الخيالية تقليدًا أعمىٰ؛ ليصبحون -حسب ظنهم- أكثر قيمة، وجاذبية، ووعي!
فتجدهم يتقمصون شخصية “المتمرد الواعي”؛ علىٰ الدين، والعادات، والتقاليد؛ فينظرون لآبائهم وأمهاتهم، وأقرانهم الأسوياء؛ نظرة استعلاء وفوقية!
وأشد من ذلك؛ أن يجمع المتابع بعض العلوم الشرعية، مع التأثر بأخلاق هؤلاء -من حيث يشعر أو لا يشعر-؛ فيكون كمن أضله الله علىٰ علم؛ فلو فقه أحدهم -حقًا-؛ لكان أشد الناس حذرًا من الترويج لهذا الفساد -وإن وقع به- عبر وضع صور هذه الشخصيات في الحسابات الشخصية، أو المزاح، وما إلىٰ ذالك..
وقد يحاول بعض اليافعين تقليد شخصيات الأنمي؛ ليشعروا بأنهم جزء من مجموعة، أو ليلفتوا انتباه أقرانهم؛ بحثًا عن الهوية والانتماء؛ الذي فقدوه بجهلهم قدواتهم الحقيقية!
ولا شك أن هذا الطريق من الطرق الإبليسية لإضلال البشر، وإبعادهم عن صراط الذين أنعم الله عليهم؛ من الأنبياء والرسل عليهم السلام، وهم الكُمّل؛ الذين كملهم -الله تعالىٰ- بالعلم، والإيمان، والعمل به، وهذا ما يستعلي به المؤمن بحق، وكذلك هم أكرم الخلق نسبًا، وأكملهم جمالًا، ومع ذلك هم أحسن الناس أخلاقًا وأشدهم تواضعًا، وأصدقهم بأسًا في طاعة الله.
وكذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم- أشبه الخلق -هديًا، ودلًا، وسمتًا- بأفضل الأنبياء والمرسلين؛ محمد ﷺ، ومن سار علىٰ دربهم؛ من أهل القرءان، والحديث، والأثر- هم حقًا كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية:
“نقاوة المسلمين؛ فهم خير الناس للناس” (١)
فتأمل؛ كيف أضل إبليس أتباعه، وطمس علىٰ قلوبهم ألا يبصروا هذه الشخصيات العظيمة؛ للتأسي بها والانتفاع من سِيرها، والسير علىٰ خطاها!
فاستبدلوا طاعة الهوىٰ بطاعة الله، ومحبة اللئيم بمحبة الكريم، والخُلُق الذميم بالخلق الحسن!
فعندما يجعل الخَيّر مليئًا بالنقائص؛ ككونه غبيًا، تافهًا، وغيرها من الصفات؛ يؤدي ذلك لاحتقاره والإعجاب بالشرير.
وتلبيس الحقائق يؤدي إلىٰ انتشار الشر والخطأ، والتماس فاعليه العذر؛ بحجة أنهم مروا بتجارب نفسية سيئة، وغيرها؛ فالخيّر ظروفه كانت مناسبة لصناعته، أما الشرير فلا!
مما يقربنا إلىٰ الباطل ويبعدنا عن الحق، كما يقلل من قيمة البطولة والفضائل؛ كالإيثار، والنزاهة، والشجاعة..
فنرىٰ الباطل يُفعَل؛ ولا ننكره، والمظلوم يُظلم؛ ولا ننصره؛ لأننا نرىٰ -حسبما غرس الأنمي في عقولنا- أن الطيب البطل أحمق ساذج ليس له قيمة ولا يحبه ولا يقدره أحد..
وما هذا -والله- إلا لضعف ديننا وقلة فهمنا، وحرصنا علىٰ رضا الناس لا رضا الله عز وجل..
وإن استمر الأمر كذالك، ضعنا وضاعت أمتنا -والعياذ بالله- كما هو حالنا الآن؛ فما كنا خير أمة إلا لأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، والله المستعان!
ويفعل اليافعون هذه السلوكيات بلا تفكير في العواقب أو النتائج السلبية؛ ويظنون أنهم لن يحاسبوا وليس لأحد حكم عليهم؛ كما في الأنمي..
فالكل مَلِك نفسه، لا رقيب ولا عتيد -حسب ظنهم- ولا وليّ أمر!
وهو مخالف تمامًا لعقيدة المسلمين؛ مما يسهم في انتشار الإلحاد بشكل كبير؛ كما تحدثنا بشكل مفصل في مقالنا عن الإلحاد.
المقامات العالية؛ التي كان عليها أتباع الأنبياء والرسل- ما وصل إليها من وصل إلا بجهاد النفس، وزجرها عن الهوىٰ، وكل خلق قبيح، وحملها علىٰ مكارم الأخلاق حملًا؛ فأولئك هم الأبطال حقًا؛ لأن أسهل الأمور أن يطلق المرء العنان لنفسه؛ لتقلبه رياح الهوىٰ كما يريد!
فازجر نفسك، وأدبها، وكن كما يحب الله أن تكون، قبل فوات الأوان!
(متابعي الأنمي والانغماس في الشخصيات):
النفوس تنزع إلىٰ ما يشاكلها؛ فنجد أننا نحب الأشخاص الذين يشبهوننا؛ بطريقة أو بأخرىٰ، ونتعاطف مع القصص التي تشبه قصصنا.
وهذا الأمر ينطبق أيضًا علىٰ الشخصيات التاريخية والخيالية..
فنجد أن كل متابع من متابعي الأنمي يحب شخصية أكثر من غيرها، ويتعاطف مع قصة دون سواها؛ قد يبكي لتعرض الشخصية التي يحبها لشيء مشابه لما تعرض له مثلًا..
= ولكن ما المشكلة في كل هذا؟
المشكلة أن بعض المتابعين لشدة حبهم، وتعلقهم بشخصية ما، وشعورهم أنها تشبههم في جانب من الجوانب- يذوبون فيها!
فيُسقطون أفكار هذه الشخصية، وتطلعاتها، وتصرفاتها؛ علىٰ أنفسهم، بل وينتهجون نهجها في الحياة، ويتقمصون سلوكها؛ كي يشبهونها أكثر!
يمتد هذا ليصل إلىٰ كيفية تعاملهم مع عائلاتهم؛ فقد يصل بهم الأمر لاعتبار كل تصرف من الوالدين إساءة وكره؛ لأن نفوسهم تشبعت بعلاقات الأسر اليابانية غير السليمة، خاصة لو كانت الشخصية التي يحبونها تتعرض لإساءة من والديها مثلًا!
وهذا مجرد مثال، وإلا فإن صور انغماسهم وذوبانهم في الشخصيات كثيرة، ومتنوعة؛ فلو كانت شخصياتهم تتبنىٰ فلسفة أو فكرة ما -حتى وإن كانت مخالفة للشريعة- ستجد البعض -وبسبب تأثره بالشخصية وحواراتها- يدافع عنها، ويجد لها المبررات، ويسقطها علىٰ الواقع.
لا يقتصر الأمر علىٰ تبني الأفكار؛ بل يصل إلىٰ تقليدهم في اللباس، والطعام، ونمط الحياة! فيميل كثير من متابعي الأنمي للانعزال، والابتعاد عن خلطة عوائلهم.
وهذا وإن كان لرغبتهم في إكمال مشاهدة الأنمي؛ إلا أن الشخصية اليابانية معروفة بأنها متحفظة، وغير اجتماعية؛ فيتأثر المتابع بما يشاهد ولا بد.
(الميمز في الميزان):

الميمز باختصار: هي عبارة عن صور مأخوذة -أساسًا- من أفلام، أو كرتون، أو مقاطع منتشرة علىٰ مواقع التواصل -ويفترض أن تكون هذه الصور معروفة الدلالة-، يتم استخدامها للتعبير عن فكرة جادة أو هزلية؛ إما بغرض إيصال رسالة ثقافية، أو دينية، أو سياسية؛ أو بغرض الفكاهة والإضحاك.
لكن، بما أن السخرية عبارة عن سلاح (كما قدمنا آنفًا)، وبما أن السلاح ما لم يرتبط بغايات نبيلة، وما لم تضبطه أخلاقيات وقواعد عُليا؛ فإن آثاره تكون سلبية علىٰ حامله والمحمول عليه.
فقد أحدث التحرر الأخلاقي، وضعف تأثير الأعراف الاجتماعية والدينية في الواقع الافتراضي- حالةً من الفوضىٰ لدىٰ الشباب، يشهد لها تردي الواقع الفكري والقيمي علىٰ مواقع التواصل.
تفنن متابعي الأنمي وتلك الأعمال في صنع ميمز لمعظم الشخصيات، وأهم الاحداث، وربطها بالواقع بشكل ساخر.
تمتد حرمتها بداية من كونها تصويرًا ورسمًا لذوات الارواح.
وعَرْض الدين والمفاهيم المقدسة في قالب ساخر- يضعف هيبتها في النفوس، ويجرئ الفساق علىٰ انتهاك حرمتها.
- تقديس الشخصيات المريضة والمجرمة، والشيطان..

التصالح مع مصائب تلك الأعمال، وإبرازها في شكل ساخر؛ مثل أن تعرض شخصيات أنمي تدعو لسوء الأخلاق، ويكتب معها فلان لتعليم الأخلاق، أو لتعليم بر الوالدين!
وكذلك السخرية من أشكال الخَلق وعاداتهم -المباحة- غير جائز شرعًا، مثل السخرية من لهجات معينة، أو طباع شخصية معينة، والعنصرية غير المباشرة والمباشرة؛ كلها يروج لها الميمز، بشكل أو بآخر.
وكذلك يساهم في هتك الحياء داخل نفوس النساء بالذات؛ حيث يتغزلن في الشخصيات الذكور بكل وقاحة، تحت غطاء أنه مجرد مميز!
فالمسلمة العفيفة تحفظ قلبها عن كل الشباب؛ حتىٰ لو كان مجرد وهم؛ فما بالك بنشر ذلك التعلق والإعجاب أمام العلن!
والمساهمة في ترويج المميز- يُعد من صور المجاهرة بالمعصية، والترويج للباطل.
عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير -رضي الله عـنهما- قـال: “سمعـت رسـول الله -صلىٰ الله عـليه وسلم- يقول: «إن الحلال بين، وإن الحـرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس؛ فمن اتقىٰ الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام؛ كـالراعي يـرعىٰ حول الحمىٰ، يوشك أن يرتع فيه؛ ألا وإن لكل ملك حمىٰ، ألا وإن حمىٰ الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة؛ إذا صلحـت صلح الجسد كله، وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب»