إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها كالمرأة والأمرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر:
حلاوة الإيمان ولذته
والتي هي أحلى وأطيب مما تركه لله «فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه».
يورث نور القلب والفراسة
قال تعالى عن قوم لوط:
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢].
فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه. وذكر الله سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال:
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النور: ٣٥].
وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة وكان يقول: “من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة سادسة أظنه هو أكل الحلال: لم تخطئ له فراسة”.
والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب.
قوة القلب وثباته وشجاعته
فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه.
وإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه قال الله تعالى:
﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] .
ولهذا كان في كلام الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله.
وكان الحسن البصري يقول: “وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في رقابهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعاصيه وفي دعاء القنوت: «إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت»”.
وأما أهل الفواحش الذين لا يغضون أبصارهم ولا يحفظون فروجهم فقد وصفهم الله بضد ذلك: من السكرة والعمه والجهالة وعدم العقل وعدم الرشد والبغض وطمس الأبصار هذا مع ما وصفهم به من الخبث والفسوق والعدوان والإسراف والسوء والفحش والفساد والإجرام.
فقال عن قوم لوط: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ فوصفهم بالجهل.
وقال: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ وقال: ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ وقال: ﴿لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾ وقال: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ وقال: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ وقال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ وقال: ﴿أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ إلى قوله: ﴿انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ إلى قوله: ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ وقوله: ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾.
بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك كما قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥].
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة وعن قوم لوط المشركين والعاشق المتيم يصير عبدا لمعشوقه منقادا له أسير القلب له.
– ابن تيمية الحراني